38serv
يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جنيف، حسني عبيدي، أن الظرفية الجيوسياسية الجديدة نقلت منتدى الدول المصدرة للغاز من مجرد منبر للحوار والتشاور إلى منظمة دولية مؤثرة في الاقتصاد والاستقرار الدوليين، معتبرا في حوار مع "الخبر" أن الدورة الحالية برئاسة الجزائر مطالبة بتعزيز الدور الوظيفي للغاز لتجاوز العلاقة التجارية بين المنتج والمستهلك، لافتا إلى أن علاقة الجزائر المميزة مع جميع أعضاء المنتدى تؤهلها للعب دور محوري لطمأنة الدول الموردة للغاز والتأكيد على قدرة المنتجين على إنجاز العقود.
ما مدى أهمية انعقاد قمة الغاز بالجزائر في ظل الظروف الجيوسياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم؟
رغم حداثة منتدى الدول المصدرة للغاز إلا أنه أصبح من المؤسسات الأساسية في شؤون الطاقة، من خلال دوره المتنامي وقدرته على ضخ كميات إضافية في السوق العالمية.
منتدى الدول المصدرة للغاز يضم أهم الدول المصدرة للغاز في العالم والتي تشكل 70 بالمائة من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة. كما تؤمن دول المنتدى حوالي 40 بالمائة من الإنتاج العالمي للغاز المسوق و47 بالمائة من الصادرات المنقولة عبر الأنابيب، أما نسبة المنتدى في الغاز المسال فهي تقارب نصف قيمة الصادرات على المستوى العالمي. رغم ذلك لم، تستطع الدول المصدرة وقف التقهقر النسبي في أسعار الغاز والذي يسبب خسائر كبيرة لها.
الظرفية الجيوسياسية الجديدة نقلت منتدى الدول المصدرة للغاز من مجرد منبر للحوار والتشاور إلى منظمة دولية مؤثرة في الاقتصاد والاستقرار الدوليين. لذا، فإن الدورة الحالية برئاسة الجزائر مطالبة بتعزيز الدور الوظيفي للغاز لتجاوز العلاقة التجارية بين المنتج والمستهلك التي مازلت تتحكم فيها قواعد السوق والشركات الوسيطة دون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة. من هنا فإن دور الجزائر تجديد مقاربة المنتدى للتوافق حول رؤية اقتصادية جديدة وطموحة تتكيف مع تباينات الدول الأعضاء وتستجيب للتحديات الحالية المرتبطة. هذه التحديات مصدرها تبعات الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا التي ضاعفت من الطلب على الغاز ودفعت بالأسعار نحو مستويات قياسية لتعود إلى مستواها الطبيعي بفضل سد دول المنتدى حاجيات السوق العالمية والعجز الطاقوي الذي خلفته روسيا. كما أن الحرب على غزة والمخاطر الأمنية التي تطال الممرات البحرية خلقت جوا من الترقب ومن عدم الثقة في الاقتصاد العالمي، ما قلص من حركية الناقلات البحرية وزاد من تكلفة الشحن والمرور لأسباب أمنية. العالم يكتشف المخاطر الحالية على إمدادات الغاز والنفط في البحر الأحمر وباب المندب وغيرها، لكن للجزائر تجربة مع الإرهاب الذي طال المنشآت النفطية والغازية. في بداية 2013 تمت مهاجمة قاعدة الحياة في موقع منصة الغاز المستغلة بشراكة بين سوناطراك "بي بي شتات أويل" بتيڤنتورين الواقعة على بعد 30 كلم غرب إن أمناس وتم احتجاز 650 شخصا رهائن، بينهم 573 جزائريا و132 من جنسيات أجنبية.
ما الذي تنتظره الجزائر من قمة الغاز؟ أو بالأحرى ماذا ينتظر العالم من قمة الجزائر؟
يمر المنتدى حاليا بمرحلة انتقالية حساسة تتطلب ترسيخ البعد المؤسساتي وتعزيز ثقة المستهلك، من خلال التركيز على الأهداف الاقتصادية والتقنية مرحليا. بالنظر لكون غالبية دول المنتدى من ما يسمى الجنوب الشامل، تكاد تكون الجزائر الدولة الوحيدة التي ترتبط بعلاقات مميزة مع جميع دول أعضاء المنتدى وخاصة "الثلاثي الكبير" Big three, الذي يهيمن على احتياطيات العالم الغازية: قطر، إيران وروسيا ومع الدول المستهلكة وخاصة أوروبا بحكم القرب الجغرافي وخبرة الجزائر في الغاز المسال والشحن عبر الأنابيب، الأمر الذي يؤهل الجزائر للعب دور محوري من خلال المنتدى وذلك لطمأنة الدول الموردة للغاز والتأكيد على قدرة المنتجين على إنجاز العقود الآجلة وكذا مواكبة تحول الغاز الطبيعي إلى طاقة الانتقال نحو التنمية المستدامة والنظيفة، كما أن أهمية انعقاد القمة في الجزائر تكمن في تقدير الأعضاء المنتجين والمستهلكين لدور الجزائر كشريك موثوق استطاع أن يفي بجميع وعوده وفي ظروف قياسية.
ما هي أبرز التحديات التي تواجهها القمة؟
المنتدى حصد رصيدا إضافيا في العلاقات الدولية نظرا للعديد من الاعتبارات التي تشكل هواجس الدورة الحالية للمنتدى ومنها:
-القدرة الهائلة لأعضائه في توفير حاجيات العالم من الغاز الطبيعي. جل الدول هي من دول الجنوب والمتحفظة على طبيعة النظام الدولي الجديد المهيمن عليه من قبل الولايات المتحدة التي تفرض قواعد سياسية وتجارية.
-ازدياد القيمة المضافة للغاز الذي أصبح مؤهلا أكثر من أي طاقة أخرى ليكون طاقة انتقالية كما عبرت عن ذلك مخرجات قمة المناخ في دبي.
ـ أن الغاز من السلع التي يمكن أن تلعب دورا أساسيا في الانتقال باتجاه الطاقة النظيفة، خاصة مع التأثير الكبير الذي تمارسه منظمات حماية البيئة وأحزاب الخضر في أوروبا.
ومنه فقد أصبح الغاز السلعة التي تركز عليها أغلب طلبيات العالم في ظل الخوف من تقلب الأسعار وحالة من القلق المهيمن على الأسواق العالمية.
ومما حققه المنتدى الابتعاد عن الاستعمال السياسي للغاز في العلاقات بين المنتج والمستهلك وبين المنتدى كمؤسسة والأسواق العالمية.
وبما أن اقتصاديات دول أساسية في منتدى الدول المصدرة ترتبط بعائدات الغاز والنفط فإن الأمر يشكل ضعفا في بنية الاقتصاد الوطني وقدرته على تحمل تقلبات الأسعار أو احتمالية العقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية. بمعنى آخر، الغاز مثل النفط مرتبط بالأمن القومي، وانهيار العائدات يشكل تهديدا مباشرا للدول المنتجة.
مكن المنتدى أيضا من معالجة قضية تأمين الأنابيب المائية والأرضية وأمن الناقلات البحرية في خضم تزايد التهديدات الأمنية في مناطق العبور، وهو ما استدعى الشركات الناقلة لتسيير طواقم أمنية والاستعانة بحكوماتها لذات الغرض. هذا التحدي يهدد استقرار السوق، ويزيد من الفاتورة التي تتحملها الدول المنتجة شح الاستثمارات الأجنبية وتردد البنوك في تمويل عمليات البحث والتنقيب والاستغلال في حقول الغاز الجديدة.
هل تعتقد أننا نسير نحو إنشاء كارتل أو أوبك للدول المنتجة والمصدرة للغاز مثلما هو الحال بالنسبة للبترول؟
هذا القرار يحتاج إلى دراسة متأنية ومن المستبعد أن يتم التفكير في مقاربة الكارتل لأن المنتدى في مراحله الأولى وليس من مصلحته جلب انتقادات الدول المستهلكة وكبريات الشركة العاملة في حقل الغاز، ناهيك عن أن منظمة التجارة العالمية والدول الغربية ليست متحمسة لمبدأ الكارتل الذي ترى فيه تهديدا للسوق الحرة وللتجارة العالمية.
كما أن منتدى الغاز يضم في أعضائه دولا هي جزء من الأوبك.
في الشأن ذاته، يوجد نقاش داخل المنتدى حول ربط أسعار الغاز بالنفط أو الفصل بين القيمتين، كما أن العديد من المنتجين بطريقة مستقلة يلحون على مراجعة الأسعار أثناء تجديد العقود والاكتفاء بالعقود الآجلة. هناك أيضا دول أخرى تطالب الدول والشركات المتحصلة على عقود الامتياز بالمساهمة في الاستثمار وتخصيص جزء من الأرباح للبحث والتنقيب والاستغلال في دول المصدر.
معطى آخر يجب التنبيه له وهو التحدي المناخي، وتقليل البصمة الكربونية سلاح تستعمله الدول المنتجة للتضييق على هامش الحركة للدول المنتجة، في حين أن الدول الغربية نفسها خضعت لضغوطات الشركات الكبرى لإبطاء وتيرة الانتقال الطاقوي. في عام 2020، أحدث فيروس كورونا زلزالا في استقرار صناعة النفط والغاز العالمية، من خلال الانخفاض الحاد والمفاجئ في الطلب وتزايد المخاوف المناخية وجاذبية السيارات الكهربائية. شركات النفط الكبرى لم تستسلم لهذا الوضع، بل قامت باتخاذ خطوات جذرية للعودة إلى تصدر المشهد الاقتصادي بطريقة أكثر هجومية من السابق.
كما أن التغيرات أعادت إنشاء تحالفات استراتيجية مع اللاعبين الرئيسيين في المجال المصرفي والسياسي لينجحوا في التصدي للضغوط البيئية، بل مواجهتها حتى لا تضعف من هيمنتها على النفط.. هذه الاستراتيجية توجت بنتائج مالية وأرباح مذهلة، فشركة "إكسون موبيل" أعلنت عن ربح قدره 36 مليار دولار لعام 2023، بالإضافة إلى 57 مليار دولار في عام 2022. في العامين الماضيين، جمعت شركة "شيفرون" 56.9 مليار دولار من الأرباح في أوروبا، بينما حققت شركة "بريتيش بتروليوم" أرباحا بلغت 15.2 مليار في عام 2023 وتوتال إنرجي الفرنسية 21.4 مليار.
كيف يمكن أن تؤثر القمة على مكانة الجزائر إقليميا ودوليا؟
تعزيز دورها كراع لمفاوضات المنتدى وجلساته وكشريك استراتيجي محل ثقة جميع المتعاملين الاقتصاديين، كما تمنحها رئاستها للمنتدى شرعية إضافية لصياغة مقاربة مستقبلية بالتعاون مع الأعضاء لحماية سلعة استراتيجية وطمأنة الأسواق العالمية.
لقد أثبتت الجزائر خبرتها المتراكمة تقنيا واقتصاديا في تطوير صناعة الغاز الطبيعي المسال وبناء خطوط أنابيب الغاز في أعماق البحار وعلى السطح. كما استطاعت الجزائر هندسة عقود متوازنة ومنصفة. وهذه الميزات تساعد الجزائر في مهمتها في القمة الحالية والتي تتمثل في الحفاظ على الغاز وتأهيله عالميا. من هنا، فإن الجزائر تدفع نحو صياغة إعلان موجه إلى السوق العالمية والمستثمرين في صناعة الغاز لتأسيس مستقبل الغاز الطبيعي المسال.
إضافة إلى ذلك، تعمل الجزائر على إرساء مقاربة شاملة تدعو لضرورة الحوار والتشاور داخليا وإرساء جسور للتعاون الاقتصادي مع المستثمرين خارجيا.
بحكم عضوية الجزائر في المنتدى وفي الأوبك، ستعمل على تقوية التقارب بين منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك وكذا (أوبك +) لتشكل عنصر قوة في المفاوضات مع المستثمرين الأجانب.
العالم راقب قمة الجزائر لمعرفة جاهزية منتدى الدول المصدرة لتجاوز تحديات المرحلة اقتصاديا وبيئيا وسياسيا للمحافظة على تماسكها وللمحافظة على مصالحها من خلال تسويق الغاز الذي تحول إلى سلعة إستراتيجية، كما أنه يريد اختبار قدرة المنتدى في الإبقاء على حد أدنى من التماسك والتعاون من البحث والتنقيب إلى التصدير، وهل باستطاعته ضخ كميات إضافية من الغاز في الأسواق العالمية.
الجزائر مؤهلة للعب دور متميز في تزويد أوروبا نظرا لقربها الجغرافي من أسواق المستهلكين الأوروبية وتوفر خطوط أنابيب غاز عبر الحدود تربط الجزائر بأوروبا، وهو ما يتطلب استثمارات جديدة، زيادة في استثمارات المنبع والتعايش مع المتطلبات البيئية بالتزامن مع عزم الاتحاد الأوروبي خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 90% خلال عام 2040 والاستعمال التدريجي للطاقات المتجددة.