سرع العدوان الصهيوني على غزة من وتيرة التحولات العميقة في المنظومة الدولية والتي أصبحت ظاهرة للعيان مع تفجر الحرب في أوكرانيا، تحولات تعد الدول أو القطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأكثر تأثرا منها، في ظل ارتفاع أسهم القوى المنافسة على غرار الصين وروسيا التي تطالب بالمشاركة في القرار الدولي، مستفيدة من الأخطاء القاتلة التي يرتكبها المعسكر الغربي.
وعبرت تصريحات المفوض السامي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بشكل صريح ومباشر عن الوضع الذي آلت إليه المنظومة الغربية، حيث قال أثناء مناقشة التوترات الجيوسياسية الراهنة في العالم وعلاقات أوروبا مع دول الجنوب العالمي إن عصر الهيمنة الغربية "قد انتهى".
وأكد بوريل على أنه "إذا استمرت التوترات الجيوسياسية العالمية الراهنة في التطور باتجاه (الغرب مقابل الآخرين)، فإن مستقبل أوروبا قد يصبح قاتما. لقد انتهى عصر الهيمنة الغربية بالفعل، ورغم أن هذا كان مفهوما من الناحية النظرية، إلا أننا لم نستخلص دائما جميع الاستنتاجات العملية من هذا الواقع الجديد".
وقدر المفوض السامي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي أن الوضع تفاقم بالنسبة لأوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية والتصعيد المتزايد في الشرق الأوسط، وأضاف "يتهمنا كثيرون في جميع العالم بـ(المعايير المزدوجة)". ودعا إلى اتخاذ إجراءات مضادة بهذا الصدد ليس فقط بالكلمات ولكن بالأفعال أيضا.
وكشفت الحرب في أوكرانيا عن معالم النظام العالمي الجديد الذي بدأ في التشكل مع تنامي قوة الصين وروسيا العسكرية والاقتصادية، ودخولها في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة والدول الغربية في أكثر من منطقة حول النفوذ، وهو ما تجلى في الصراع على منطقة المحيطين، وكذا في القارة الإفريقية.
وزادت الحرب في أوكرانيا من حدة التجاذبات والاصطفافات بين القوى التقليدية الغربية والقوى الصاعدة، لكن الحرب في غزة كشفت عن الاختلالات القائمة في النظام الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، بسبب سطوة القوى الغربية على مراكز القرار التي جعلت أكبر هيئة لاتخاذ القرار الدولي رهينة لمواقف أشخاص على حساب القانون الدولي، لكن هذا الحال لن يدوم أمام اتساع رقعة الداعين لإصلاح مجلس الأمن في ظل الإفلاس الأخلاقي الذي وصلت إليه أوروبا وقائدتها الولايات المتحدة.
وكان قد أكد الدبلوماسي الفلسطيني، حسام زملط، خلال فعاليات "منتدى التفكير العربي" بلندن "النفاق الغربي في التعاطي مع حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، وفي باقي الأراضي الفلسطينية أدت إلى خيبة أمل كبيرة، وأكد أن بداية الانعتاق من الاحتلال هو إنهاء الحصار الإعلامي المفروض على فلسطين، وتعرية المظالم التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين".
واعتبر زملط أنه "من المهم إدارة نقاش حول ازدواجية الغرب ونفاقه وتواطئه في الحرب على الفلسطينيين، من أجل إجلاء الحقيقة وإيصال المظلمة الفلسطينية إلى العالم... لقد أعطى الغرب الغطاء السياسي والقانوني والأخلاقي لهذه الحرب الظالمة بحق الشعب الفلسطيني".
في المقابل، لم يمنع ذلك دول الجنوب الشامل في تحريك العديد من الخطوط على مستوى إدارة اللعبة، ولا أدل على ذلك ما قامت به جنوب إفريقيا بمحكمة العدل الدولية التي استطاعت أن تجر الكيان الإسرائيلي إلى المحاكمة بتهمة ثقيلة والمتعلقة بتنفيذ إبادة جماعية في غزة، وبالرغم من كل الضغوط والمحاولات لثني بريتوريا عن توجهها، إلا أنها نجحت في تحركها وأصبحت تحاكم ليس فقط الكيان ولكن كل الدول الغربية التي تدعمه في عقر دارها.