بوقوفه مرتين في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية ومثوله قريبا أيضا أمام المحكمة الجنائية الدولية، يتضح جليا أن الرصيد الذي تأسس عليه هذا الكيان الصهيوني المحتل والمبني على "الدعاية الكاذبة وادعاءات المظلومية التاريخية"، قد نفد كليا، وهاهو يقف عاريا أمام العالم أجمع رغم محاولات الغرب التغطية على جرائمه.
عندما يطرد سفراء الكيان أشد طردة بـ"الجملة والتفصيل"، من جنوب إفريقيا، بوليفيا، شيلي، كولومبيا والبرازيل، ليس كمؤشر عن أزمة دبلوماسية عابرة بل كترسيم لقطيعة طويلة ودائمة، وعندما تتسابق الدول من مختلف الأحجام والأوزان والقارات لأجل جر هذا الكيان المحتل إلى أروقة المحاكم الدولية لمحاسبته على أفعاله اللاإنسانية، يضاف لها حكم قضائي صادر في هولندا يحظر بيع الأسلحة لإسرائيل ومنع النقابات العمالية في موانئ بلجيكا، الهند وغيرها شحن تلك الأسلحة، وكذا مقاطعة شعبية لمنتوجات الشركات الداعمة للكيان، فهو لم يعد معزولا فقط، بل أضحى كيانا منبوذا لا أحد يريد الاقتراب منه، وهي حالة غير مسبوقة فيها ما فيها من رسائل ومعطيات عن حالة مخاض لولادة نظام دولي جديد ودفن النظام السابق الذي قام على نظرية تصنيف البشر بين محور الخير ومحور الشر، قبل أن يشاهد العالم أن هناك شياطين في هيئة بشر..
لما تقول جنوب إفريقيا إن هذا الكيان المحتل هو أسوأ من نظام الأبارتيد الذي فرض على السود في جنوب إفريقيا منذ عام 1948، ولما يؤكد الرئيس البرازيلي بأن ما قام به هتلر ضد اليهود تقوم به إسرائيل مع الفلسطينيين وتمارس الإبادة الجماعية ضدهم وليست من الحرب في شيء، فهي أكثر من صرخة بأن هذا النظام الاستعماري لا يمكن أن يستمر بأي حال من الأحوال، لأنه يمثل وصمة عار على الإنسانية، وهذا ما استشرفه وكتبه العلامة المرحوم البشير الإبراهيمي ذات يوم في جريدة البصائر، "إن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت، وإذا نبت فإنه لا يثبت، فانتظروا إنا معكم من المنتظرين".
أظهرت أحاديث الكواليس في المنتدى الدولي للأمن بميونيخ الألمانية الذي حضره كبار صناع السياسات في العالم، اعترافها بأن قناع الدعاية الإعلامية الغربية تعرت بشكل غير مسبوق، ولم تفقد مصداقيتها فقط بل ظهرت في واقع مفضوح، لم يكن أشد المتشائمين يتصورون أن تسقط القنوات التلفزيونية والصحف الغربية وقاعات التحرير بمثل هذه السرعة في حفرة اللامهنية واللاحيادية واللاأخلاقية واللاحرية واللاديمقراطية، وسقطت معها القيم التي ظلت ترفعها، بعدما وقفت شعوب العالم وحتى حكوماتها، على ازدواجية في المعايير أضحت تهدد الصورة الأخلاقية لهذه الدول في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي هي بصدد عزل نفسها عن العالم بما تمارسه من "الفيتو" في مجلس الأمن، وبشكل لم يعد يتفهمه حتى شركاءها الأوربيين المقربين.
هناك زلزال بصدد الحدوث داخل النظام العالمي، لا أحد بمقدوره تصور ملامحه كاملة، لكنه بالتأكيد سيعاد فيه توزيع وترتيب أوراق اللعبة في العلاقات الدولية من جديد بسقوط لاعبين كانوا نافذين ودخول دول أخرى من الفاعلين الأساسيين الذين سيحملون على عاتقهم نظرة أخرى في كيفية رعاية السلم العالمي ومتطلباته بعيدا عن الرؤية السابقة.