38serv
أكد الخبير الدولي والأستاذ الزائر في اقتصاد النفط والطاقة في كلية "أي أس سي بي " المتقدمة لإدارة الأعمال بلندن، الدكتور ممدوح سلامة، في حوار لـ "الخبر"، على أن منتدى الدول المصدرة للغاز الذي ستحتضنه الجزائر سيكون نقطة تحول رئيسية في تنظيم سوق الغاز العالمي، وأن المنتدى سيبحث أشياء كثيرة، من بينها إقامة منظمة للغاز على غرار منظمة النفط "أوبك"، وخلص للتأكيد على أن النفط والغاز سيبقيان العمود الفقري للاقتصاد العالمي طوال القرن الحادي والعشرين.
بداية دكتور، ما مدى أهمية انعقاد قمة لمنتدى الدول المصدرة للغاز بالجزائر وما الأهداف التي يتوخى منها؟
. في رأيي أن منتدى الدول المنتجة للغاز أو المصدرة للغاز بالجزائر سيكون نقطة تحول رئيسية في تنظيم سوق الغاز العالمي، لخدمة المنتجين والمصدرين والمستهلكين، وطبعا سيبعد عن السياسة وسيكون الهدف هو ضمان رد ممتاز للمستثمرين من الدول المنتجة التي ستنفق مليارات الدولارات على توسيع طاقات إنتاجها، فهي تريد أسعارا يكون لها مردود جيد، ولكنها لا تريد أن تؤذي المستهلك، وهذه نقطة مهمة، وهدف المنتدى هو أن يضمن استقرار الأسواق واستقرار إمدادات الغاز إلى العالم وفائدة المستهلك أيضا، بدل أن تنخفض الأسعار أو ترتفع حسب تلاعب المضاربين في الأسواق، فالمنتدى يريد استقرارا للأسعار والأسواق والإمدادات، وهذا هو الهدف الرئيسي.
وما عدا ذلك، ما الذي سيبحثه المنتدى؟
. سيبحث المنتدى أشياء كثيرة، من بينها إقامة منظمة للغاز، على غرار منظمة النفط "أوبك" التي حققت نجاحا منذ إنشائها عام 1960، رغم معارضة من الولايات المتحدة والدول الغربية، لكنها مع ذلك أثبتت وجودها كأهم لاعب في سوق النفط، وفي ضمان استقرار إمدادات النفط، والسوق، وضمان مردود لأعضائها، لذا سينطبق هذا الوضع على صادرات الغاز من الدول المصدرة، فالغاز مثله مثل النفط؛ يلعب دورا رئيسيا في اقتصاد العالم، وأستطيع أن أقول إنه لا وجود لاقتصاد العالم دون النفط والغاز.. ومن يقول إن الطاقة المتجددة كافية، مخطئ، ومن هذه الزاوية تتأتى أهمية المنتدى وقمة المنتدى، أولا اقتصاديا، فالدول الأعضاء - ومن بينها الجزائر - وهي لاعب بارز في هذا المنتدى كونها رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، سواء أكان غازا سائلا، أو غازا يوصل عبر الأنابيب للاتحاد الأوروبي أساسا، فهذا الأخير يعتمد اعتمادا استراتيجيا على الجزائر، بالنظر إلى قربها الجغرافي، وثانيا لمصداقيتها، لأنها كانت دائما صادقة في إمداداتها، حينما تعد بتوفير إمدادات، فهي تنفذها، مما أكسبها احتراما كبيرا.
ومن الناحية الثانية؛ فإن المنتدى سيعطي بعدا سياسيا واستراتيجيا للجزائر؛ لأنه سيحفزها لتوسيع طاقة إنتاجها، وقد بدأت الجزائر فعليا في ذلك. وكما قلت، الجزائر رابع مصدر في العالم، وهي في المركز العاشر من حيث المخزون أو الاحتياطي، ولكن هذا لن يبقى في هذا المستوى، لكون الجزائر الثالثة في العالم من حيث مصادر الغاز غير المطورة؛ وأقصد به الغاز الصخري الذي ستنتجه بالتكنولوجيا الأمريكية المستخدمة في الولايات المتحدة التي عرفت نجاحا كبيرا. وبالتالي، فإن احتياطي الجزائر من الغاز سيتضاعف، فهو حوالي 50 تريليون قدم مكعب، وقد يصبح 100 أو 150 تريليون متر مكعب، وسيزداد اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الجزائري وستزداد صادرات الجزائر، فضلا عن البعد السياسي والاستراتيجي.
وماذا عن إمكانات مناقشة تحويل المنتدى إلى منظمة؟ وكيف يمكن أن يتم ذلك، علما أن المنتدى ذو طابع استشاري ولتركيبته وردود فعل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة؟
. أتوقع أن يتم البحث خلال المنتدى عن إقامة منظمة تنظم الغاز مثلها مثل منظمة أوبك، ودعني بداية أقدم معلومات عن المنتدى، هذا الأخير يضم 19 عضوا، لكن الأعضاء الرئيسيين والفاعلين حاليا هم روسيا وإيران وقطر والجزائر ونيجيريا ومصر، وبقية الأعضاء لديهم كميات من الغاز، ولكن ليس بالشكل المؤثر، فالدول الأعضاء في المنتدى يمتلكون 63 بالمائة من احتياطي الغاز في العالم ككل. أما الدول الست المذكورة، بما فيهم الجزائر، يمتلكون 60 بالمائة وحدهم، فهم الأساس، وهذا من ناحية.
ومن جانب آخر، سألتم إذا تم إنشاء منظمة على غرار أوبك، كيف يمكن تنسيق الإنتاج، هم سيقومون بتنسيق الإنتاج الآن حتى قبل إنشاء المنظمة لو تأخرت لظروف سياسية، لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، غير راغبين في ذلك، ولا يريدون المنظمة لأسباب معروفة حتى تبقى الأسعار منخفضة، وحتى تستفيد اقتصادياتهم، ولكن هذا ليس هدف المنتدى، فهذا الأخير لا يريد أن يستغل الاقتصاد العالمي، بل يريد موردا لدوله، وأن يكون موردا عادلا وإمدادات ثابتة واستقرارا للأسواق، بحيث لا يصير اليوم تخمة وغدا انقطاعا للإمدادات، لأن الإمدادات تبقى متوفرة وهذا هو هدف المنتدى، ويتم ذلك بالتنسيق بين الدول. وحتى إذا اتفقوا على إنشاء المنظمة بعد سنتين أو ثلاث سنوات أو أربع، فهم سيبدؤون الآن من هذا المنتدى بالتنسيق في الإنتاج، وتنفيذ الهدف الذي سيقام من أجله منتدى الغاز، حتى قبل ترسيم إقامة منظمة معترف بها رسميا، لأنه يتطلب إجراءات على مستوى الأمم المتحدة، مثلما فعلت دول "أوبك" التي سجلت المنظمة على مستوى الأمم المتحدة، كمؤسسة تضم دولا مصدرة للنفط، فهم سيقومون بالعمل نفسه، على أساس تسجيل مؤسسة منظمة لسوق الغاز في العالم بالطريقة التي " تعمل فيها أوبك؛ فأوبك تعمل حاليا بعيدا عن السياسة على ضمان استقرار أسعار النفط، علما أن بعض أعضاء "أوبك" هم نفسهم أعضاء مهمين في المنتدى، على غرار الجزائر التي تعد دولة رئيسية في منظمة "أوبك"، وروسيا عضو في تحالف "أوبك+"، وتشترك الصين مع الجميع لأنها أكبر مستورد للنفط، وهي أكبر مستورد وسوق للغاز، بحيث ستحل محل الاتحاد الأوروبي.
وبعد أن كان أكبر زبون لروسيا وأكبر صادراتها تذهب إلى الاتحاد، أضحت غالبية هذه الصادرات تذهب إلى الصين والهند، ودول حوض الهادي، فالمؤتمر سيدرس إنشاء منظمة، ولكن لا أعتقد أنهم سيوقعون اتفاقا تأكيديا، ربما يأتي في المنتدى القادم أو الذي يليه.
ستكون هناك ضغوطا أمريكية مستمرة، وكما تعلمون، فإن الضغوط الأمريكية ضد إقامة منظمة "أوبك" بدأت في اللحظة التي أنشئت فيها، وما زالت مستمرة، فالأمريكيون يتلاعبون بالأسعار عن طريق إنزال كميات النفط الاستراتيجي لديهم للتأثير على الأسعار.
وهل يمكن أن يطرح الأمر نفسه بالنسبة للغاز، خاصة وأن الولايات المتحدة تضاعف إنتاجها؟
. نعم، ولكن هناك حدودا، فكما يمكنها أن تقوم بذلك، فحاليا الولايات المتحدة تعتبر أكبر مصدر للغاز السائل، ولكن ارتفاع الطلب الداخلي سيقوض ذلك، كما أن احتياطها من الغاز مع الاتحاد الأوروبي يتراوح ما بين 30 أو أقل من 30 بالمائة، بينما الدول داخل المنتدى لديها احتياطي يساوي أكثر من 63 بالمائة من الاحتياطي العالمي، وروسيا مع الاكتشافات الأخيرة في المحيط المتجمد الشمالي، ستضاعف كميات الغاز الموجودة حاليا، والشيء نفسه ينطبق على الجزائر. كما أن نيجيريا تريد أن توسع طاقة إنتاجها، وكذا مصر وقطر، فالمعارضة الأمريكية دائمة، ولكنها لن تؤدي إلى نتيجة، فهي لم تستطع أن توقف "أوبك"، ولن تستطع أن توقف منتدى الغاز مع تحولها إلى منظمة رسمية.
هناك نقاط أساسية سيتم إثارتها في منتدى الجزائر، هي تقلبات الأسعار، وكيفية دفاع الدول المنتجة عن مصالحها وما يعرف بمستوى ذروة الطلب أو الاستهلاك، كيف ترون ذلك؟
. يمكن بداية الاطلاع على النفط، فمنظمة "أوبك" استطاعت أن تنظم وتخضع السوق عن طريق تخفيض إنتاجها، والتزمت بتوفير الإمدادات، عندما ترتفع حفاظا على سعر مقبول للاقتصاد العالمي ومقبول للمستهلك وللدول الأعضاء في "أوبك" التي تحتاج في غالبيتها بين 90 و100 دولار للبرميل، حتى تغطي العجز في ميزانيتها وتستفيد، فمنظمة الغاز المقبلة ولنسميها "منتدى الغاز"؛ ستعمل الشيء نفسه كونها تمتلك 63 بالمائة من الاحتياطي، فهي قادرة على أن تؤثر على السوق، والتنسيق بين أعضائها، في حال وجود تخمة في السوق تخفض إنتاجها.. وفي حال ما وجدت أن السوق بحاجة إلى كميات أكبر، فإنها ترفع إنتاجها، على أساس نظام حصص بين الدول، فكل دولة تقوم برفع طاقة إنتاجها حسب طاقتها مع تحديد نسبة معينة لرفع الإنتاج، والعكس أيضا، بحيث تكون حصص دول مثل روسيا وقطر والجزائر ومصر أكبر من دول صغيرة الإنتاج، وهناك دول عديدة ترغب في الانضمام إلى المنظمة.
فحينما يصبح المنتدى منظمة على غرار "أوبك"؛ فإنه سيجد انضمام دول، وهو ما سيعطيها قوة إستراتيجية كبرى وتحول في ميزان القوى بالنسبة لسوق الطاقة في العالم، مثلما حصل في سوق النفط، فبعد نشوب النزاع الروسي الأوكراني، ظن الأمريكيون والأوروبيون من خلال العقوبات غير المسبوقة المفروضة على روسيا ومنع الصادرات الروسية وتسقيف السعر، بأن الاقتصاد الروسي سينهار، وصناعة النفط والغاز أيضا، لكن حدث العكس، فصادرات روسيا عام 2023 من النفط ومشتقات النفط كسرت الأرقام القياسية أربع مرات، وغالبية صادراتها من الغاز ذهبت إلى الهند والصين التي تعد أكبر مستورد للغاز في العالم ومستثمر في "نوفاتك"، الشركة الروسية التي تعد من أكبر الشركات المنتجة للغاز في روسيا. كما أن رئيس مجلس إدارة شركة غازبروم يقول "نحن على وشك تحقيق صادرات إلى منطقة حوض المحيط الهادي يساوي ما كنا نصدره إلى الاتحاد الأوروبي".
هل تعتقدون بأنه بعد ست قمم، وقمة الجزائر تعد السابعة، وصل المنتدى إلى مرحلة نضج للانتقال إلى هيكلية جديدة أكثر تماسكا وقوة ممثلة في منظمة، وماذا عن دور الجزائر التي تحتضن القمة السابعة؟
. هذا سؤال وجيه، لأن المنتدى مر عليه عدة سنوات، وبدأ ينضج بالتدريج وأضحى التنظيم يعي مسؤوليته العالمية، خصوصا وأن الغاز ليس فقط مصدرا للطاقة مهما لإنتاج الكهرباء، ولكنه الجسر الذي يعبر للتحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة، ويضفي أهمية جديدة للمنتدى، فالدول المنتجة والمصدرة - بما فيها الجزائر - تعي هذه الحقيقة، وأنها تريد من زيادة طاقتها الإنتاجية لتغطية احتياجات العالم، فهناك تقرير يشير إلى أن تجارة العالم من الغاز سترتفع من 450 مليون طن في 2023 إلى 680 و700 مليون طن في عام 2040، ففي مدة 16 سنة الزيادة المتوقعة تزيد عن 140 بالمائة، وهذا يعني أن سوق الغاز سيرتفع بمعدل 3 بالمائة، وهذا يتطلب استثمارات لتوسيع الطاقة الإنتاجية. ومن يقول إنه يمكن - كما تقول وكالة الطاقة الدولية ولوبي البيئة - الانتقال من الطاقة الأحفورية إلى المتجددة آفاق 2050، فهذه خرافة وأكاذيب، لأنهم يعتمدون في تقديراتهم على أن الطاقة المتجددة (الرياح والشمسية) قادرة على تلبية الطلب العالمي على الطاقة، لاسيما الكهرباء، ولكن ذلك غير صحيح، لأن الطاقة المتجددة، طاقة متقطعة.
رأينا أن دولا في أوروبا على خلفية الأزمة، عادت إلى الفحم؟
. تماما؛ وهذا ما يحصل في بريطانيا وأوروبا وحتى الصين الذي يعد أكبر مستثمر عالمي في الطاقة المتجددة وتنتج أكبر نسبة من الكهرباء من الطاقة المتجددة، بمعدل 50 بالمائة، ومع ذلك تبني مئات المحطات التي تعمل بالفحم لتوليد الكهرباء، فالأمر مبني على فرضيات خاطئة، فالوكالة الدولية للطاقة تقول إن قمة الطلب على النفط ستتم قبل 2030، وتم اعتماد الفرضية على أن أعداد السيارات الكهربائية ستتضاعف، لكن رغم استثمار تريليون دولار على السيارات الكهربائية، فإن العدد 26 مليون سيارة كهربائية مقابل 1400 مليون سيارات تقليدية.. والأمر نفسه ينطبق على أن الطاقة المتجددة قادرة على تغطية الطلب في مجال توليد الكهرباء، فالتكنولوجيا لا تسمح بتخزين الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح في الصيف لاستخدامها في الشتاء؛ لأننا لا نمتلك التكنولوجيا ووسائل التخزين المناسبة، ربما بعد 30 و50 سنة، وفي كل أبحاثي كنت دائما أقول إن النفط والغاز سيبقيان العمود الفقري للاقتصاد العالمي طوال القرن الحادي والعشرين، وربما أبعد من ذلك بكثير، وهذا الذي سيحدث.
ومن ثم، فبدلا من التركيز على خفض الطلب العالمي على النفط والغاز، يتعين العمل على خفض الانبعاثات السامة، باستثمار أحدث التكنولوجيات لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخفيف الانبعاثات لدى إنتاج النفط والغاز، لأنه لن يكون هناك اقتصاد عالمي دون نفط وغاز.