أمضى فوزي لقجع، رسميا على شهادة وفاة المغرب على مستوى الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بعد فترة طويلة من الهيمنة والسيطرة على دائرة صناعة القرار على مستوى "الكاف"، استغل فيها المغربي "حالة فراغ" وتغيّر موازين القوى عقب تراجع تأثير ونفوذ الجزائري محمد روراوة على مستوى "الكاف"، ثم بعدها سقوطه رفقة عيسى حياتو، ليبسط نفوذه ويرسم خارطة جديدة لـ"الكاف" قوامها التأثير فيها بشكل أحادي.
وبمثل سرعة الصعود نحو القمة للمغرب في هرم السلطة على مستوى الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، جاء السقوط الحر وبقوة ارتطام على الأرض بارتدادات دولية، جعل إفريقيا تستفيق، أخيرا، من سباتها وتتخلص نهائيا من مفعول "السحر" المغربي الذي قاد "الكاف" في اتجاه واحد منذ 2017 إلى اليوم بأجندة تخدم مصلحة بلد على حساب قارة وفي مجالات تعدّت بكثير الجانب الكروي.
ويمكن القول، اليوم، بل الجزم، بأن السحر، خلال "كان كوت ديفوار" انقلب فعلا على الساحر، وكان يكفي أن ينساق فوزي لقجع وراء تجسيد مشروع استعباد الأفارقة ونشر هواية الانحناء في ثقافة الأحرار حتى يتلقى "الصفعة" المنتظرة من أبناء القارة السمراء جعلته يكتشف متأخرا تجاوزه بخطوات الخطوط الحمراء، وقد فعلت به نشوة استعباد الغير ما فعلت وقادته إلى حالة من الثمالة، حتى بدا لإفريقيا، بتلك الممارسات العدائية لأبناء القارة، على حقيقته وحقيقة المغرب الذي نجح في إخفاقها إلى حين سقوط القناع عقب فشل "الرجل"، هذه المرة، في استغباء واستعباد الأفارقة في عرسهم الكروي.
ولا يمكن وصف حادثة رفض الحكم المغربي، رضوان جيد، إدارة المباراة الترتيبية، ثم إقدامه على إهانة الهيئة القارية، لعدم تمكينه من إدارة النهائي، سوى بالسابقة الخطيرة التي قدّمت لإفريقيا دلالات قاطعة بأن المغرب، في نهاية الأمر، ما هو سوى عضو مستبد في المكتب التنفيذي لـ"الكاف"، ترتكز استراتيجيته على إيهام الأفارقة على أنه حليف، بينما جعلت أحداث "الكان" تعرضه "عار" ودون مساحيق، ليبدو أمام كل إفريقيا على حقيقته، وهي الرغبة المرضية في السطو على حق الغير مثلما هو حاصل مع الصحراء الغربية.
فلسفة العصابة التي انتهجها فوزي لقجع، وأتقن نسج خيوطها للإيقاع بإفريقيا كرويا، ثم السيطرة عليها سياسيا بهدف التموقع أكثر استراتيجيا، اصطدمت بفقدان الرجل للبوصلة، بل إن حالة الثمالة جراء الإنتشاء المؤقّت ببسط النفوذ، جعلته يفقد السيطرة على المغاربة أنفسهم، الذين أعتقدوا أنهم ملوك أحرار إفريقيا، وقد جعلهم الانحناء الدائم والنظر على الدوام للأرض يفتقدون مع مرور الوقت لبعد نظر الأحرار من إفريقيا.. من منتصبي القامة ومرفوعي الهامة الذين يحرصون على "الإعطاء" لإفريقيا لا "الأخذ" منها، ويجمعون على نبذ كل أشكال الإستعباد والإستبداد التي غابت عن القاموس المغربي.
إن حادثة نجم منتخب الكونغو الديمقراطية، مبيمبا، مع المدرب وليد الركراكي وعبارات العنصرية من المغربي للكونغولي بسبب نتيجة مباراة، كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، بل كانت، في الحقيقة، بداية نهاية النفوذ المغربي على "الكاف" كون الحادثة لم تبرز تغيّر نظرة المغرب لإفريقيا، إنما كشفت في النهاية حقيقة "مشاعر" المغرب تجاه إفريقيا، وقد تجلى ذلك أكثر حين تعلّق الأمر، بعد ذلك، برهان رياضي جمع منتخب المغرب بمنتخب بلد رئيس "الكاف"، وقد أفضى لاكتشاف كل الأطلس لعدم ارتقاء لاعبيها من حيث الشراسة أو الجموح لمرتبة الأسود، إلى جنون لقجع حتى خرج تقريبا للعلن بتصرفات غريبة منتقدة لرئيس حر رافض لمحاولة الترويض.
ومقابل خسارة لقجع في كل صراعاته الخفية مع أقوياء القارة، جاءت ردود الفعل منه أو من أبواقه منتقدة الرئيس الجنوب إفريقي، الدكتور باتريس موتسيبي، وكان ذلك في حقيقة الأمر مؤشر واضح على أن الممثل المغربي اقتنع بتراجع نفوذه، بل إن "إعلانه الحرب" حتى يحفظ بها ماء الوجه أمام المخزن والشعب المغربي، هو في حد ذاته إقرار بخروجه من هذه "الكان" بهزائم كثيرة ومتنوعة تتجاوز في أبعادها بكثير الهزيمة الرياضية.
حقيقة المغربي فوزي لقجع، عضو مجلس "الفيفا" والمكتب التنفيذي لـ"الكاف"، ما هي إلا واجهة حقيقية لسياسة المغرب اتجاه إفريقيا، من خلال كرة القدم، ترتكز على بيع الوهم وتزييف الحقائق واستغلال العلاقات واللوبيات لصالح المغرب دون سواه في إطار الأجندة السياسية التي اعترف بها لقجع بنفسه في وقت سابق في مقابلة تلفزيونية، حين اعتبار تبوء المغرب لتلك المكانة قاريا وتألق منتخباتها وأنديتها بفضل ذلك، هو نتاج سياسة تم الإعداد لها مسبقا وبإحكام.
يكفي استعراض، وإفريقيا تعترف عن طريق رئيس "الكاف"، عن فضل الجزائر على المغرب بتعاملاتها وتعهّداتها ومواقفها مع الأفارقة، بعض المحطات التي تعري المغرب وتكشف وجهها الحقيقي اتجاه العرب والأفارقة، منها وصف لقجع للحكم القطري عبد الرحمان الجاسم باللقيط، لأنه أدار المباراة الترتيبية في المونديال الأخير بنزاهة لم تخدم المغرب.
ويذكر التاريخ ألاعيب الجامعة المغربية لكرة القدم للزج بـ"الكاف" في أمور سياسية مع الجزائر التي أبهرت إفريقيا بحفل افتتاح أفضل "شان" في تاريخ المسابقة وبحضور نجل الزعيم المناضل نيلسون مانديلا وبملعب نيلسون مانديلا بالجزائر، فجاءت مسرحية المطار بالرباط لتبرير "تغييب" الوفد المغربي عن "شان الجزائر" تحت غطاء حجة واهية، وهي ضرورة القدوم في رحلة مباشرة من الرباط إلى قسنطينة على متن الخطوط الملكية المغربية، بينما "سقطت" الحجة، ثلاثة أشهر بعد ذلك، في "كان الجزائر" تحت 17 عاما، والسبب أنها مسابقة لفئة عمرية قارة ومؤهلة لكأس العالم على خلاف الشان.
بلوغ تمرّد المغرب على النظام والأخلاق والقانون حد إهانة إفريقيا برمتها وتحريض الحكم المغربي رضوان جيد على رفض إدارة مباراة رسمية، بل توجيه أوامر له بالعصيان، هو في الحقيقة إقدام فوزي لقجع، من حيث لا يدري، على دق آخر مسمار في نعش المخزن قبل إعلان وفاته إفريقيا، للإلقاء به في محيط الأطلس.
وحين نضع نقطة نظام ونتأمل أكثر في شريط الأحداث، يصبح توجيه التهم للمغرب مشروعا بخصوص حرمان رياض محرز من الكرة الذهبية الأخيرة، وانتزاع حق منتخب الجزائر تحت 17 عاما في بلوغ نصف نهائي الكأس الإفريقية بالجزائر على حساب منتخب المغرب ذاته وضمان المشاركة في المونديال، قياسا بتلك الفضيحة التحكيمية.
ونفهم اليوم ايضا سبب تجريد الجزائري عبد الحق بن شيخة من لقب اخسن مدرب في إفريقيا رغم لقبين كبيرين ومنح اللقب للمدرب المغربي الركىاكي، ونفهم ايضا اسباب تغييب إتحاد الجزائر من لقب مستحق كاحسن ناد في القارة وزين الجين بلعيد كاحد افضل لاعب محلي، مثلما نتساءل عن اسباب كيل بعض الحكام بمكيالين مقارنة بمبريات الجزائر ومباريات المغرب.
ويصبح أيضا الاقتناع. قائما بأن لقجع قام بعملية سطو على حق الأهلي المصري بالتتويج برابطة أبطال إفريقيا ليمنحه للوداد البيضاوي المغربي بسبب برمجة النهائي في آخر لحظة في موعد واحد وليس ذهابا وإيابا وتم اختيار المغرب لاحتضان الحدث وليس بلد محايد.
الفضيحة صنعها ومارسها لقجع أكثر من مرة وأهان بها الكاف، بدليل تأكيده أمام البرلمان المغربي احتضان المغرب رسميا "كان 2025" أسابيع قبل اتخاذ القرار على مستوى المكتب التنفيذي للهيئة الكروية القارية.
ولم يعد الأمر صعبا على إفريقيا قلهم أسباب إقصاء المدرب الجزائري السابق لمنتخب تنزانيا عادل عمروش بالإيقاف لثماني مباريات بسبب فضحه ممارسات فوزي لقجع بينما يتم تقريبا إلغاء عقوبة المدرب المغربي وليد الركراكي رغم فظاعة ما ارتكبه في حق الأفارقة.