تعود ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف، التي كرست حالة نضال تاريخي مشترك بين تونس والجزائر، متزامنة مع نقاشات جزائرية تونسية حول ملف المناطق الحدودية المشتركة بين البلدين، والحاجة إلى جهد مشترك لبعث مشاريع تساعد على التنمية وتحسين معيشة السكان في هذه المناطق، وتحصينها من التحديات الأمنية الجديدة، لا سيما الهجرة غير الشرعية وباقي المعضلات الأخرى.
وضعت ذكرى ساقية سيدي يوسف كمحطة تاريخية محددا وضابطا معنويا وسياسيا لنسق العلاقات الجزائرية التونسية، ومستندا مركزيا لأية توجهات وخيارات بالنسبة للعلاقات بين البلدين، ولعبت هذه المحطة على مدار العقود الماضية، وفي مراحل مختلفة من التاريخ السياسي لتونس والجزائر، دورا كبيرا في إعطاء بعد إيجابي للعلاقات، وتحييد كل المشكلات التي يمكن أن تشوش على هذه العلاقات، وهو ما سهل للبلدين توقيع اتفاقية الإخاء والصداقة عام 1983.
وبقدر ما يدل الحرص الجزائري التونسي على تجديد الاحتفاء السنوي بذكرى ساقية سيدي يوسف، كمثال ونموذج على إمكانية تحقيق لحظة مشتركة في مقاومة وضع يتجاوز استحقاقات المناطق الحدودية، ولكون بلدة ساقية سيدي يوسف ذات رمزية بالنسبة لتاريخ الثورة الجزائرية، تولي الدولة الجزائرية أفضلية لهذه البلدة التونسية، حيث يتم تموينها بشبكة غاز بسعر تفضيلي وبمنشآت خدمية، تقديرا للدماء التونسية التي سالت في خضم النضال المشترك ضد الاستعمار الفرنسي، ولتثمين هذا النضال وجعله مستمرا من حيث تأثيره في البعد السياسي، واستثماره بشكل إيجابي لإبقاء الروابط الاجتماعية بين البلدين قائمة، وتوسيع ذلك إلى كامل المناطق الحدودية.
وفي هذا السياق، عقدت في الجزائر الأسبوع الماضي اللجنة الجزائرية التونسية حول المناطق الحدودية، برئاسة وزير الداخلية إبراهيم مراد ونظيره التونسي كمال الفقي، وكان هذا الاجتماع يتوخى وضع خطط مشتركة "لتأمين مناطقنا الحدودية المشتركة، وتحسين ظروف ساكنتها بنسق يسمح بتقليص الفوارق، وتصويب الاختلالات المسجلة، وتحصينها من التحديات الأمنية الجديدة، وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية، لضمان نجاعة المقاربة التنموية"، إضافة إلى "تكثيف التشاور والتنسيق لمجابهتها، تماشيا وفحوى الاتفاق الأمني الموقع بين البلدين في مارس 2017".
كان مأمولا أن يتوج اجتماع الجزائر بحزمة قرارات تخدم تطلعات سكان هذه المناطق المشتركة، وتنمية المناطق الحدودية الجزائرية التونسية ضمن رؤية مشتركة لتنميتها، وبعث المشاريع الحيوية على مستواها، وبحث سبل زيادة معدلات المبادلات التجارية بين الولايات الحدودية للبلدين، وتحسين دور المعابر الحدودية في مجال التنمية، وتطوير القطاعات الحيوية كالفلاحة والصحة والسياحة، ووضع استراتيجية مشتركة لمجابهة المخاطر الكبرى، وبخاصة مجابهة الحرائق.
وقبل ذلك وخلال شهر أوت الماضي، كانت اللجنة القنصلية بين البلدين قد عقدت اجتماعا تم خلاله طرح أفكار تخص إمكانية تفعيل الاتفاق على مناطق للتبادل الحر على الحدود بين البلدين، التي تأخر تنفيذها منذ الاتفاق الأولي بشأنها عام 1994، بهدف تشجيع النشاط الاقتصادي والتجاري بين البلدين، والنظر في إمكانية إنشاء مناطق صناعية مشتركة بين الجزائر وتونس، تتمركز في المناطق الحدودية، وتسهيل ولوج السلع والخدمات، وامتصاص اليد العاملة العاطلة، وتنمية البلدات الحدودية.
غير أنه بقدر ما تعطي سلسلة الاجتماعات الجزائرية التونسية حول تنمية الحدود وتطويرها مؤشرات على وجود رغبة من البلدين للبحث عن تصورات ومقاربات مشتركة بين الحكومات في البلدين، لتنمية المناطق الحدودية، فإن كثيرا من التقديرات تطرح في المقابل تساؤلات حول التعطيلات التي تحدث لبعض القرارات والاتفاقيات التي تعذر وضعها في موضع التنفيذ، وهو ما سمح باستمرار وضع المناطق الحدودية على ما كانت عليه في السابق بكل مشكلاتها القائمة، والعجز عن خلق فرص اقتصادية وتنموية بديلة لهذه المناطق، تحولها من جغرافيا ملتبسة بسبب مشكلات التهريب والإرهاب وغيرها إلى فرص حقيقية للتنمية والتكامل الاقتصادي، ومساحات واسعة للتبادل التجاري بين الجزائر وتونس، مع ما يدره ذلك من استقرار وتأمين وحركية اقتصادية واجتماعية، ويعزز الروابط السياسية بين البلدين.