التأكيد على عمق العلاقات الجزائرية التونسية

+ -

مرت منذ يومين، الذكرى الـ66 لمجازر ساقية سيدي يوسف، بتاريخ 8 فيفري 1958، أين قام الاستعمار الفرنسي بقصف قرية الساقية الواقعة على الحدود الجزائرية التونسية، كرد فعل وانتقام للدعم التونسي للثورة الجزائرية والتي سقط فيها أكثر من 70 شهيدا من الطرفين الجزائري والتونسي. حاولت "الخبر" بهذه المناسبة التقرب من المؤرخين والباحثين والعودة إلى حيثيات المجزرة التي كان الهدف الفرنسي فيها هو فك الرباط بين الجارتين الشقيقتين، لكن نتائجها كانت عكسية، حيث زادت المجازر في قوة الروابط بين البلدين وازداد الدعم التونسي للثورة التحريرية.

 قال الدكتور مولود قرين من جامعة المدية إن التضامن الجزائري التونسي ظل قائماً طيلة فترة الاحتلال الفرنسي منذ 1830، ولعلّ أبرز مظاهره كانت خلال الثورة التحريرية، وذكر قرين في تصريح لـ"الخبر": "اعتبرت تونس بمثابة القاعدة الخلفية للثورة الجزائرية، من أراضيها كانت تدخل الأسلحة ومختلف أشكال الدّعم اللوجستيكي، وعلى أراضيها تشكلت قواعد عسكرية لتقديم التدريب اللازم لأفراد جيش التحرير الوطني"، كما وفّرت حسبه مناخا ملائما للنشاط السياسي والدبلوماسي لجبهة التحرير الوطني ولجنة التنسيق والتنفيذ بعد خروجها من الجزائر والحكومة الجزائرية المؤقتة فيما بعد، فكل أشكال الدعم -يقول الدكتور قرين- جعلت من إدارة الاحتلال وقواتها العسكرية تقدم على مجزرة حقيقية ضاربة كل المعاهدات الثنائية والأعراف الدولية عرض الحائط، تمثل ذلك في قصف "ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958، ومن نتائج هذا القصف استشهاد 68 شهيدا، من بينهم 9 نساء، 12 طفلا، وحوالي 87 جريحا".

كما أوضح قرين أنه من نتائج القصف تدمير شبه كلي للبنى التحتية لساقية سيدي يوسف، ولكن هذا العمل الذي نددت به كل الصحافة سواء التونسية والعربية والعالمية، زاد من حجم التضامن بين الطرفين، وكانت له أبعاد دولية استفادت منها الدبلوماسية الجزائرية، وصرح بأن هذا الاعتداء جعل من الولايات المتحدة الأمريكية تعرب عن قلقها وتعلن عن رغبتها في حل القضية الجزائرية، لأن ممارسات فرنسا في شمال إفريقيا سيجعل كل منطقة المغرب العربي ضدها، وسيخسر المعسكر الغربي هذه المنطقة وهذا ما عبّر عنه "فوستر دالاس" في مكالمة هاتفية مع إزنهاور، فورد في المكالمة "العداء الجزائري اتسع إلى تونس، وإذا لم يوجد حل لهذا النزاع، فقد نخسر تونس، ليبيا والمغرب وكل الدول الإسلامية وجنوب الاتحاد السوفييتي"، وهذا ما جعل –حسبه- الولايات المتحدة الأمريكية تعمل جاهدة من أجل تسوية ملف القضية الجزائرية، وبدأت الخلافات تدب بينها وبين فرنسا، "خاصة بعدما اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية فرنسا بأن عمليات القصف لم تكن عفوية، وإنما كان مخطط لها من طرف الحاكم العام روبير لاكوست الحاكم العام للجزائر، وحتى من طرف وزير الدفاع الفرنسي جاك شبان دلماس ومن طرف مجلس الوزراء الفرنسي".

 

مجزرة مكتملة الأركان

 

أبدى البروفيسور أحسن تليلاني، رئيس مؤسسة زيغود يوسف التاريخية، امتعاضه ورفضه من تسمية ما حدث بتاريخ 8 فيفري 1958 في ساقية سيدي يوسف، بـ"الأحداث"، وقال في تصريح لـ"الخبر" إنها "مجزرة رهيبة وجريمة مبيتة مع سبق الإصرار والترصد"، خطط لها زبانية الاستعمار ونفذها الطيران الحربي الفرنسي في وضح النهار على سوق شعبي يرتاده الإخوة التونسيون والجزائريون، وصرح "حيث تم قتل تلاميذ المدرسة وأعضاء الكشافة الإسلامية وكثير من الأبرياء في صورة وحشية أراد من خلالها الاستعمار الفرنسي قطع صلة الرحم بين الشعبين الجزائري والتونسي بالقتل والتخويف والترهيب".

وأوضح تليلاني أنه بالرغم مما حدث، فإن النتيجة كانت عكسية، حيث تقوت الروابط بين الشعبين وازداد الدعم التونسي لكفاح الشعب الجزائري، فتأسست بعد تلك الأحداث الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في شهر أفريل 1958، كما تأسست –حسبه- الحكومة المؤقتة الجزائرية واتخذت من التراب التونسي مقرا لها. قائلا "أنا أعتقد أن لتلك المجزرة رمزية كبيرة في وحدة الكفاح المشترك وحدة المصير وأتمنى أن يتم استلهام تلك المجزرة التي امتزجت فيها الدماء الجزائرية والتونسية بواسطة أعمال فنية سينمائية ومسرحية وأدبية، كما أتمنى إنجاز تظاهرات ثقافية على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس تخليدا لكفاحنا المشترك".

 

المجازر تضاف إلى القائمة السوداء لجرائم الاستعمار

 

من جهته، اعتبر الدكتور قوبع عبد القادر من جامعة الجلفة، بأن إحياء ذكرى ساقية سيدي يوسف، يذكر ببشاعة الاستعمار الفرنسي الذي لم يجد مانعا أخلاقيا ولا إنسانيا في إرسال 29 طائرة مقنبلة لقصف المدينة الصغيرة الآمنة، بحجة دعم الشعب التونسي لشقيقه الشعب الجزائري في كفاحه وثوراته ضد الاستعمار الفرنسي.

وذكر قوبع في تصريح لـ"الخبر"، أن هذه المجزرة تضاف إلى قائمة سوداء من المجازر ضد الإنسانية وجرائم الحروب التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين، مؤكدا أن الشعبين الجزائري والتونسي عانيا معا من هذا الاستعمار الذي لم يكتف بالاغتيالات والاختطاف وإقامة خطي موريس وشال الشائكين المكهربين بين البلدين، "وما نشاط منظمة اليد الحمراء الإرهابية التي عاثت فسادا وقتلا في البلدين، إلا صورة جلية على أن ما يصيب أحد البلدين إلا وينتقل سريعا للآخر، لأنهما جسم وامتداد واحد".

كما أكد الدكتور قوبع أن تاريخ العلاقات بين البلدين ليس كما هو معتقد لدى غير المختصين في تاريخ العلاقات بين البلدين "بأن العلاقات تعود إلى فترة الاستعمار أو الثورة والحقيقة أن البلدين ارتبطا تاريخيا بروابط كثيرة كعهد الأغالبة والفاطميين والحماديين والحفصيين، دون التوسع في العلاقات الثقافية التي استمرت رغم الضغوط الاستعمارية وقد مثل الطلبة الجزائريون العنصر الأبرز عددا ونشاطا وتميزا في جامع الزيتونة وفي النشاط السياسي في الحزب الحر مثل أبي اليقظان والثميني ومحمد الصالح بن يحيى وشباب تونسيون آخرون، الذي تعود أصولهم وجذورهم إلى الجزائر، أمثال عبد العزيز الثعالبي وتوفيق المدني والشيخ محمد الخضر الحسين وحسين الجزيري".

وختم قوبع بالقول إن الثمن الباهظ الذي دفعه البلدان، جاء ليؤكد على روح الوحدة والتضامن والمصير المشترك بين الجزائر وتونس.