قرار الحرب والصفقة بيد المقاومة

+ -

بات تحقيق صفقة التبادل وإنهاء الحرب والعدوان الصهيوني على قطاع غزة رهنا بموافقة المقاومة وتقديراتها السياسية والميدانية ومرتبطا بسقف شروطها ومستوى التنازلات التي يمكن أن تحصل عليها من الاحتلال، ضمن المحددات التي رسمتها لنهايات المواجهة القائمة وتحصيلا لمكاسب تؤدي إلى تثمين الإنجاز العسكري المتعلق بكسر الردع الصهيوني والوفاء للتضحيات التي تحملتها المقاومة والشعب الفلسطيني.

على رجل واحدة يقف نتنياهو بانتظار رد المقاومة على صفقة التبادل واشتراطاتها، وحده قرار قيادة المقاومة هو ما سيسمح له بالنزول من الشجرة التي علق فيها منذ السابع أكتوبر الماضي. منذ ذلك التاريخ يطل نتنياهو من أعلى الشجرة بانتظار عودة الأسرى المعتقلين لدى المقاومة، لكنه لا يرى سوى جثث جنود صهاينة تعود في توابيت وعشرات من جرحى جيش الاحتلال على متن طائرات عمودية تقوم بنقلهم إلى المستشفيات ومعاقين سيعيشون طول حياتهم وهم يحملون ختم المقاومة في جسدهم.

استهلك قادة الاحتلال كل الوقت اللازم والممكن في العرف العسكري والسياسي، لكنهم لم يحققوا أي هدف من الأهداف التي أعلن عنها عند بداية العدوان رغم كل الدعم الذي حصل عليه الكيان من القوى الغربية، ما عدا قتل الأطفال والنساء وتهديم المباني واعتقال العزل. لم يصل الكيان الصهيوني لا إلى تحرير الأسرى أو حتى أسير واحد بعد أربعة أشهر من العملية العسكرية ولم يعتقل قياديا واحدا من القادة الميدانيين للمقاومة ولم يستطع تحقيق أي ضرر جدي بالبنية التحتية للمقاومة ولم ينزع سلاح الفصائل أو يحد من قدراتها على الصد والهجوم، بل إن المقاومة استمرت بعد أربعة أشهر في إطلاق الصواريخ على المدن المحتلة. ومثلما كان قرار الحرب بيد المقاومة التي حددت توقيته في السابع أكتوبر الماضي، وهي التي اختارت الظرفية السياسية والميدانية لبدء مواجهة، بات قرار السلم وشروط الصفقة ماثلة بيد المقاومة التي يحدد ردها ما إذا كانت الصفقة ستتم وفي أي اتجاه وضمن أي بنود وطبيعة التنازلات الواجب تحصيلها لصالح الشعب الفلسطيني وعدد الأسرى الفلسطينيين الواجب تحريرهم من السجون الصهيونية في مقابل الموافقة على الصفقة والتبادل.

ليس قرار السلم ووقف إطلاق النار فحسب، بل إن كل المصير السياسي للحكومة الصهيونية بات بيد المقاومة التي سيؤدي موقفها إلى تشتت المواقف داخل المجتمع السياسي والحكومي للكيان الصهيوني، حيث يهدد بعض الوزراء المتطرفين في الكيان بتفكيك الحكومة في حال وافقت على صفقة التبادل ووقف إطلاق النار. أكثر من ذلك فإن المصير السياسي لنتنياهو نفسه بات رهنا بمواقف المقاومة وتقديراتها السياسية، بعدما استنزفت فصائل المقاومة جيش الاحتلال ميدانيا وكبدته خسائر غير مسبوقة، لم يتكبدها حتى في حروبه السابقة مع جيوش عربية نظامية.

لم يكن واضحا بالنسبة للغالبية من القيادات الصهيونية الكيفية التي تضافرت بها عوامل سياسية وميدانية لتشكل هذا المشهد القائم الذي يحمل معنى نكسة كاملة الأبعاد بالنسبة للكيان الصهيوني ومستقبله، ولا تملك تفسيرا للطريقة التي قفزت بها المقاومة إلى أعلى التلة، حيث وضعت نفسها في موقف أعلى من موقف الكيان الصهيوني وأكثر تحكما في إدارة المواجهة، لكن هذا الوضع يستدعي العودة إلى جملة من التصريحات الاستباقية التي أطلقها بعض قادة الأجهزة السياسية والأمنية الصهيونية مباشرة بعد إطلاق المقاومة، الذين طالبوا الحكومة الصهيونية بعدم المغامرة والدخول في مواجهة وإنجاز صفقة تبادل مبكرة، حيث كانت تقديراتهم أكثر واقعية لمقدرات المقاومة وللظرفية السياسية التي تخدم صالحها.

على المسافة صبر وساعة من تحقيق إنجاز تاريخي سيقلب الكثير من المعادلات توجد المقاومة الفلسطينية في نموذجها الجديد الذي يعتمد قاعدة الهجوم وكسر القواعد وعدم الاستكانة لظروف يفرضها الاحتلال، أخذا بعين الاعتبار تجارب نضالية وثورية مماثلة، أبرزها التجربة الثورية الجزائرية، وهو إنجاز سيعيد تأهيل خيار المقاومة وينسف خيارات التسوية والسلام ويفرض جملة مواقف ومتغيرات في الموقف الدولي والإقليمي تجاه القضية الفلسطينية، بعدما بدأت دول غربية تتحدث للمرة الأولى عن إمكانية اعترافها بدولة فلسطينية لم تحققها اتفاقات أوسلو لكن فرضتها بندقية المقاومة.

 

كلمات دلالية: