قال وزير ثقافة الجمهورية العربية الصحراوية موسى سلمى لعبيد، إن الاتفاقية الموقعة مع وزارة الثقافة والفنون الجزائرية تهدف إلى "ترقية الثقافة الصحراوية وجعلها حقيقة جبهة تستطيع أن تساهم بشكل واضح وكبير جنبا إلى جنب مع باقي الجبهات العسكرية والدبلوماسية والحقوقية وغيرها، في المرافعة عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والتحسيس بمعاناة الصحراويين في اللجوء والمدن المحتلة في الشتات بسبب الاحتلال المغربي لأكثر من 50 سنة لترابنا الوطني". وتحدث الوزير في حوار لـ"الخبر" عن مختلف أبعاد الاتفاقية وعن وضعية الثقافة في المخيمات وإستراتيجية وزارته في التعريف بالثقافة الصحراوية ودور المثقف والفنان الصحراوي في إيصال صوت الشعب الصحراوي إلى العالم.
تم هذه الأيام الإعلان عن تأسيس المسرح الوطني الصحراوي وعرض أول عمل له "الخطوة الأخيرة". ماذا يمثل ذلك في مسار نضال الشعب الصحراوي؟
أولا، شكرا لجريدة "الخبر" على هذه المرافقة الإعلامية، ونتفق على دور الإعلام وخاصة الجزائري في مرافقتنا خلال سنوات كفاحنا الطويلة منذ 50 سنة والإعلام الجزائري في الحقيقة كان له الفضل في إيصال صوتنا إلى ما بعد الحدود.
الثقافة الصحراوية والثقافة بصفة عامة هي رسالة نبيلة وسامية وهي سلاح من شأنه اختراق كل الحدود لا يحتاج تأشيرة. بالتالي ارتأينا على مستوى وزارة الثقافة الصحراوية أن نستلهم العبرة والخبرة والتجربة من الثورة الجزائرية، ووقعنا اتفاقية تعاون مع وزارة الثقافة والفنون الجزائرية. وبطبيعة الحال كان الفضل الكبير للاندفاع والحماس الذي وجدناه في الأخت والرفيقة معالي وزيرة الثقافة صورية مولوجي، ومن خلالها بطبيعة الحال الحكومة الجزائرية والشعب الجزائري.
وقعنا اتفاقية في مارس 2023 فيها متون ثقافية متنوعة هدفها الأساسي ترقية الثقافة الصحراوية وجعلها حقيقة جبهة تستطيع أن تساهم بشكل واضح وكبير جنبا إلى جنب مع باقي الجبهات العسكرية والدبلوماسية والحقوقية وغيرها، في المرافعة عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والتحسيس بمعاناة الصحراويين في اللجوء والمدن المحتلة في الشتات بسبب الاحتلال المغربي لأكثر من 50 سنة لترابنا الوطني. أكيد بأن هذه الملحمة المسرحية "الخطوة الأخيرة" كانت أول عمل تضامني ثقافي ملموس وعمل كبير جبار أشرفت عليه وزارة الثقافة الجزائرية ورعته بشكل خاص معالي الوزيرة صورية مولوجي، ووفرت له وزارة الثقافة والفنون الجزائرية شروط النجاح من ضيافة واستقبال وتكوين وتهيئة نفسية وتقنية، ووفرت له خبراء وفنانين جزائريين كبار فيما يتعلق بالإنتاج والإخراج والسيناريو، وبالتالي حقيقة 5 أشهر من التحضير كانت ثمرتها ونتاجها الطبيعي مسرحية "الخطوة الأخيرة"، التي شهد عرضها حضور سياسي ومجتمعي كبير على مستوى الدولة الجزائرية، وأيضا الجمهور الصحراوي الواسع الذي تلقى هذا النتاج للثمرة الأولى للاتفاق المشترك بين الوزارتين بكل ارتياح. وهذين اليومين بعد العرض تلقينا كثير من رسائل التهنئة والتشجيع على هذا الانجاز التاريخي الكبير وبلا شك سيشكل بالإضافة إلى كفاحنا الوطني وإيصال صوتنا ومعاناتنا لكل بقاع العالم.
العمل كما علمنا ستكون له جولة في الجزائر وجولات خارجها. هل هناك خطة من أجل ذلك؟
في اتفاق الشراكة الذي وقع ما بين الوزارتين ويرعاه الجانبان هناك عدة بنود منها التكوين والإنتاج إلى غير ذلك. والتعاون في مجالات الثقافة المشتركة ومنها المشاركة الخارجية للمرافعة عن القضية الوطنية هذه المسرحية الآن سيتم تعميمها على مختلف الولايات الجزائرية وستعرض في مختلف المسارح الجهوية، وعلى هذا الأساس بدأنا في التفكير الجاد في البحث عن إمكانية عرضها على مستوى بعض الدول الصديقة ولما لا على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، حقيقة نجعل منها آلية للتحسيس بالقضية الوطنية. هناك بطبيعة الحال إشكالية تقنية في بعض الأحيان، لكن وزارة الثقافة والفنون الجزائرية متمثلة في شخص الوزيرة مصممة على البحث عن كل الإمكانيات التقنية والمادية واللوجيستيكية لضمان إشراك هذا العرض الفني المسرحي بفعاليات ثقافية في الخارج بحول الله على مستوى إفريقيا وأوروبا .
الثقافة تتعدد روافدها لماذا اخترتم المسرح كانطلاقة لمشروعكم الثقافي؟
حقيقة هناك جملة من الأنشطة متضمنة في الاتفاق، لكن اخترنا المسرح، لأنه وسيلة التماس المباشر مع الجمهور، وانطلاقا أيضا من تجربة الثورة الجزائرية في المسرح، لأنه كان في بداية الثورة الواجهة الثقافية لثورة الفاتح من نوفمبر، وأوصل المسرح الجزائري صوت الجزائر ومعاناة الجزائريين وحق الجزائريين في الحرية والكرامة إلى أبعد الحدود. ولكن أيضا لوجود المهارات والخبرات الجزائرية من منتجين ومخرجين وسيناريست، فالمؤهلات البشرية كبيرة موجودة واخترنا أن تساهم معنا في بناء نواة المسرح. لكن أيضا المسرح هو أب الفنون يتوفر على الدراما والموسيقى والرقص وعلى كل شيء. والجمهور المتلقي في المسرح هو جمهور مباشر، وبالتالي قدرة المسرح على التأثير على عقول ونفسية الناس واستقطاب التضامن والتعاطف مع قضيتنا الوطنية، على أن يتبع في محطات قادمة بموضوع السينما والمعارض والتراث الشفوي والتدوين والكتب... الخ. والآن نحن بصدد إطلاق تصوير فيلم درامي ابتداء من 12 فيفري في بعض الولايات الجزائرية بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية وشركة إنتاج جزائرية خاصة.
إذن، كما سبق وأن صرحتم الاتفاقية بين الوزارتين ستتعزز بمجالات أخرى.. هل يمكن تفاصيل أكثر؟
هناك الآن بدأنا التفكير في إطار الشراكة ببناء بعض الفضاءات الثقافية على مستوى مخيمات اللاجئين منها بناء مسرح وطني، يكون فضاء للتكوين والعرض، وهو إضافة معنوية ونفسية للفنانين الصحراويين. هناك اتفاق على أن تنظم أسابيع ثقافية في بعض الولايات الجزائرية، خاصة الولايات التي لديها تماس مع الحدود المغربية، لأن الرسالة تكون قوية. هناك اتفاق أيضا على طباعة بعض الكتب التي تتناول تاريخ وثقافة الشعب الصحراوي. وهناك اتفاق على تنظيم معارض ثقافية في بعض الولايات الجزائرية. هناك مجالات تم الاتفاق عليها نسعى لبرمجتها في إطار رزنامة واضحة تتماشى مع تظاهرات ثقافية جزائرية وافريقية وعربية إلى غير ذلك.
بالنسبة للمخيمات كيف تنشطون الفعل الثقافي فيها؟
حقيقة الأنشطة الثقافية في المخيمات محكومة أول شيء بواقع اللجوء والواقع الاقتصادي للاجئين الصحراويين. كما نعرف الحكومة الصحراوية ليست لها سيادة على ثرواتها الطبيعية بحكم أنها كلها تحت الاحتلال، فالمدن محتلة في الصحراء الغربية وفيه نهب يومي واستغلال لثرواتنا الطبيعية للمصالح المغربية وتوظيفها في الحرب والإرهاب وشراء الذمم، وبالتالي لا نتمتع بالسلطة على ثرواتنا الطبيعية. تحدي كبير وعائق كبير لخلق والقيام ببرامج ثقافية كبرى على مستوى المخيمات، لأن الحكومة الصحراوية مطالبة بتوفير وضمان الأولويات للاجئين الصحراويين والتي أساسها هو الأمن الغذائي التعليم والصحة والمياه وهذه الجوانب الأربعة بالكاد الحكومة الصحراوية تضمنها، لأنها تعتمد بشبه كلي على الدعم الإنساني الذي تجود به بعض المنظمات الإنسانية، المتمثلة في المفوضية السامية والحركة التضامنية، وبطبيعة الحال هناك الدعم السخي للدولة الجزائرية، لكن هذا من المسلمات، لكن جملة البرنامج الذي تقوم به الحكومة الصحراوية يرتكز على الدعم الإنساني وهو محكوم بعوامل عدة حسب الدول المانحة التي تبني دعمها على حسب سياساتها واستراتيجيها وأجندتها في العالم.
وهذه حقيقة دائما ما تؤثر بالسلب على مستوى الدعم الإنساني لمخيمات اللاجئين وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث انتبهنا أن المغرب وحلفائه من الدول المانحة يحاولون الضغط بشكل كبير على جبهة البوليساريو والشعب الصحراوي من خلال تقليص الدعم الإنساني، وهذا يضاعف جهد الحكومة الصحراوية وإطاراتها ومؤسساتها لضمان الأولويات. من هذا المنحى الثقافة رغم أهميتها ليست ضمن الأولويات، ولكن هي أساسية من الجانب المعنوي والنفسي وجانب المرافعة والتجنيد والتوعية والتأطير، وهذا يجعل وزارة الثقافة ملزمة بالبحث عن شركاء للمساهمة معها في تغطية مجمل البرنامج، والتي أساسها وزارة الثقافة الجزائرية، كما نبحث عن شركاء آخرين من الحركة التضامنية لتغطية بعض الفعاليات الأخرى. هناك حراك ثقافي لا أقول انه محتشم لكن ليس كبيرا بسبب قلة الموارد والإمكانيات.
إذن ما دور الثقافة كقوة ناعمة في التعريف بالقضية الصحراوية على مستوى العالم؟
الثقافة عموما تصنف من القوى الناعمة وعندها القدرة على اختراق كل شيء بلا حدود وتستهدف وتستقطب كل شرائح المجتمع، وهذه قدرتها الخارقة على استهداف عقول الناس وعواطفهم، وهي حقيقة من الأسلحة التي بدأت معظم الدول وخاصة العظمى تتفطن لها، لذلك نجد بعض الدول تنشئ مراكز ثقافية خارج حدودها للتعريف بثقافتها ولكنها كقوى من القوى الناعمة للبحث عن موطئ قدم وإحداث وبناء سياساتها وتحقيق المصالح، وبالتالي من هذا المنحى لسنا بمنأى عن هذا العالم من حيث التفكير ونرى أن الثقافة من العناصر والأدوات المهمة جدا للتحسيس بقضيتنا والمرافعة عنها وإيصال صوتنا إلى ابعد حدود. ومن هذا المنطلق نحن مهتمين بالبحث عن كل الفرص وتهيئة كل الظروف لمساهمة الثقافة الصحراوية في معركة التحرير والبناء.
ما هي استراتيجيكم للتعريف بالثقافة الصحراوية وإبراز تميزها عن الآخر (خاصة المحتل)؟
نشتغل على محاور أربعة بالأساس، المحور الأول هو تهيئة وتكوين وإعداد الموارد البشرية، لأن البشر هو رأس المال، وثانيا التخطيط وبناء السياسات والتحضير والبرمجة والإبداع في برامج تتماشى مع ظروفنا ولكنها أيضا تتناسب أيضا مع متطلبات حرب التحرير، لأننا دخلنا مرحلة التحرير الثانية. والمحور الثالث هو البحث عن شركاء يتقاسمون معنا التصور نفسه والقيم والأهداف نفسها، لأن الثقافة عموما بالنسبة لنا كحركة تحرير هي سياسة ومرافعة ومقاومة وكفاح، وبالتالي نجد شركاء يتقاسمون معنا القيم نفسها ويتشاركون معنا التصور نفسه ويتعاطفون معنا على أساس أننا شعب يناضل من اجل حقه ولم يستكمل إلى حد الآن سيادته على تراب وطنه، ويسعى لنيل كرامته، وهذا يضاعف جهدنا للبحث عن شركاء في المجتمع المدني الجزائري، وفي جنوب إفريقيا، وإفريقيا المتضامنة والحركة التضامنية في أوروبا خاصة في اسبانيا وفرنسا وايطاليا. بالإضافة إلى محور المدن المحتلة التي في حقيقة فيها جمعيات ثقافية تنشط لكنها غير معتمدة بحكم الاحتلال، ولكن نبحث كيفية تحفيزها على المشاركة وتحصيلها على رعاية واحتضان من طرف جمعيات ثقافية معترف بها في إطار الأمم المتحدة، حماية للثقافة الصحراوية، ودفاعا عنها، وكذلك المهجر لأن هناك كثير من الصحراويين يعيشون في المهجر في اسبانيا وفرنسا وفيهم مجموعة كبيرة من الفنانين، حيث نعمل على كيفية استقطابهم من اجل تشكيل جمعيات ثقافية تنشط للمرافعة عن حقنا في الدفاع وعن حقنا في تقرير المصير.
هذا يقودنا إلى سؤال عن دور المثقف والفنان الصحراوي في دعم القضية وإبراز هويته للعالم؟
حقيقة الفنان الصحراوي بصفة عامة وخاصة الفن والمسرح، كان له دور كبير منذ تأسيس البوليساريو أو ما قبل التأسيس حتى من انتفاضة "الزملة" في السبعين، التي قادها سي ابراهيم بصيري، كان للأغنية دورا كبيرا، وكان الفنان الصحراوي يحس بأنه المخاطب للصحراوي البسيط الذي لا يفهم لغة السياسة والدبلوماسية ويفهم لغة الشعر والأغنية والرقص. كان له دورا كبيرا في استقطاب كثير من الصحراويين للالتفاف حول جبهة البوليساريو. كما كان للفنانين الصحراويين دورا كبيرا في تحفيز الشباب للالتحاق بالجيش ودعم الجيش وبناء المؤسسات الوطنية والمساهمة في خدمة المشروع الوطني.
وفي مرحلة معينة ما بعد وقف إطلاق النار في 1991، تراجع هذا الدور نسبيا، لأنه كان هناك أمل مع مخطط التسوية والعودة، الفنان بدأ يشعر بالأمل ويحضر للدور النقابي أكثر من الدور الوطني الثوري. لأنه يعني بناء دولة والرجوع والعودة للديار والفنان ودوره النقابي والجانب الاقتصادي للفن، من هذا المنحى والتصور والاعتقاد بأن تسوية المشكل قاب قوسين أو ادني، لأنه منذ الاستفتاء وقرارات الأمم المتحدة والتحضير قطعنا أشواطا كبيرة في هذا الاتجاه، ربما تراجع دور الفنانين. لكن مرحلة ما بعد 13 نوفمبر 2020 وعودة الحرب، فرضت على الفنان الصحراوي بكل قناعة وإيمان أن يرجع لدوره الأساسي ويستلهم قيمه من تاريخنا وتراثنا الوطني، وبأن الفنان الصحراوي مثل الجندي الصحراوي في الجبهات الأمامية يلعب دورا كبيرا في شحذ الهمم واللحمة الوطنية والتجنيد والتعبئة، ولكن في الخارج في الدفاع عن قضيتنا وعن حقوقنا ووضعية حقوق الإنسان ووضعية اللجوء وعن الانتهاكات، وبالتالي ما بعد 13 نوفمبر 2020 الفنان يحس انه ملزم بالرجوع إلى مرحلة ما قبل 91، أي الفنان الثوري الجندي الملتزم المنضبط، يعني الملتزم بأهدافه والمتمسك بثوابت الجبهة الشعبية والشعب الصحراوي وفي حقه في المرافعة والكفاح من اجل الحرية والاستقلال.