أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن أسفها لقرار السلطات الانتقالية بمالي الانسحاب من اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة بمالي، الذي يعالج حسبها العوامل الأساسية المحركة للنزاع، ودعت الحكام الجدد إلى تحديد تاريخ جديد للانتخابات التي كان المجلس الانتقالي قد وعد بتنظيمها في شهر فبراير الحالي، قبل أن يتراجع عن قراره.
جاءت هذه التصريحات على لسان ساميويل وربيرغ، المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريح خاص لـ "الخبر"، ردا على سؤال حول موقف واشنطن من التطورات الأخيرة التي تعرفها مالي إثر إعلان السلطات الانتقالية الانسحاب من اتفاق المصالحة في مالي، الموقع بالجزائر بين الجماعات المسلحة في شمال البلاد والحكومة المركزية بباماكو، بضمانات دولية في سنة 2015.
وعبر وربيرغ في رده على سؤال "الخبر" عن أسف وزارة الخارجية الأمريكية "لقرار السلطات الانتقالية في مالي بالانسحاب من اتفاق الجزائر"، مشيرا إلى أن الاتفاق كان يمكن أن يوفر، "إذا تم تنفيذه بالكامل، مزيدًا من الاستقرار لكل الشعب المالي". وأكد المسؤول الأمريكي قلق بلاده "إزاء استئناف الأعمال العدائية بين المجموعات المسلحة الموقعة على اتفاق الجزائر والحكومة الانتقالية، بالتعاون مع مجموعة فاغنر".
وكانت القوات المالية، مدعومة من مرتزقة "فاغنر"، قد شنت هجماتها على كيدال، عاصمة الإطار الموحد لحركات تحرير أزواد بشمال البلاد، الموقِّعة على اتفاق الجزائر، وبسطت سيطرتها على المدينة، ما أعاد التوتر إلى المنطقة، وعادت من خلاله الأوضاع إلى المربع الأول من الأزمة، ما يفتح الأزمة في مالي على كل السيناريوهات، ويرفع منسوب الاضطراب الأمني في كل المنطقة.
واعتبر وربيرغ أن "اتفاق الجزائر، الذي يسبق الأزمة السياسية الحالية في مالي، يعالج الشكاوى الأساسية والعوامل المحركة للنزاع بين الحكومة المركزية في مالي وحركات التوارق".
وكانت الحكومة المالية والجماعات السياسية والعسكرية المالية وقعت في عام 2015 على اتفاق السلام الشامل الذي يقضي بإعادة سيطرة الحكومة المالية على مناطق التوتر في الشمال، والإدماج التدريجي لعناصر هذه الحركات ضمن الجيش المالي، ومكافحة الإرهاب، ووضع برامج تنمية موجهة لهذه المناطق، وضمان تمثيلها في مؤسسات الدولة المالية.
وتسهم هذه التوافقات في تعزيز الأمن في مناطق شمال مالي والساحل، وتطمئن الجزائر بشأن أمنها الحدودي الذي توليه اهتماما خاصا، لكن هذا الاتفاق لم يتم تنفيذه بسبب العديد من العقبات، مع أنه يضمن الإطار الأنجع لمعالجة المشاكل الرئيسية التي تواجه مالي، حسب ما تذهب إليه مواقف الدول والمنظمات الداعمة لاتفاق الجزائر، وحتى الملاحظين والمختصين في المجال.
وفيما يتعلق بالمسار السياسي في مالي التي تعيش فترة انتقالية على إثر الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد عاصيمي غويتا ضد الرئيس الانتقالي باه نداو في ماي 2021، أكد المسؤول الأمريكي أن بلاده "تتوقع من الحكومة الانتقالية أن تحترم التزامها بتنظيم الانتخابات والعودة إلى حكومة مدنية ديمقراطية"، وعبر عن خيبة أملهم "لعدم إجراء الانتخابات في فبراير كما كانت قد وعدت، وننتظر إعلان تاريخ جديد للانتخابات".
وكانت السلطات الانتقالية في مالي قد أعلنت عن تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية التي سبق أن التزمت بتنظيمها في 4 و18 فبراير 2024 أمام الشعب المالي والمجموعة الدولية، بضغط من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، من أجل نقل السلطة، وأرجع التأجيل إلى أسباب "فنية". ويعد هذا تأجيلا آخر من العسكريين للالتزامات التي تعهدوا بها.
وفي المقابل، أكد المسؤول الأمريكي بأن بلاده تستمر "في شراكتها مع الشعب المالي، وتظل أكبر مانح فردي للمساعدات الإنمائية والإنسانية الثنائية التي تعالج الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار".
قلق جزائري
وكانت الجزائر قد أصدرت بيانا عقب إعلان المجلس العسكري الانتقالي في مالي عن الانسحاب من اتفاق الجزائر، عبرت فيه عن "قلقها وبالغ أسفها لتنديد السلطات في مالي باتفاق السلام المنبثق عن مسار الجزائر".
وجاء في بيان للخارجية "إن الجزائر تحيط علما بهذا القرار، الذي تود الإشارة إلى خطورته الخاصة بالنسبة لمالي نفسها، وللمنطقة برمتها التي تتطلع إلى السلام والأمن، وللمجتمع الدولي برمته الذي وضع كل ثقله ووسائله المتعددة لمساعدة مالي على العودة إلى الاستقرار من خلال المصالحة الوطنية".