سيغادر بلماضي، كمدرب مثل سابقيه، دون مساءلة أو تقييم للحصيلة لنعرف منه سبب الإخفاق ومسبباته أو مقترحاته لتفادي تكرار ما وقع ثانية وثالثة مستقبلا. يقال في المثل "حتى الموت تعطي لصاحبها راحة"، فكان يمكن أن نستمع إليه ولكل الأطراف الأخرى ونستفيد من الرأي والرأي الآخر بشأن هذه العثرة الجديدة لـ"الخضر" في كأس أمم إفريقيا، وبعدها ينفض السوق وكل حال يذهب لحاله. البعض يقول إن ما سيقوله بلماضي من كلام لن يقدم ولن يؤخر من الأمر شيئا، ولا داعي لفتح الجراح، والأفضل هو الانتقال بسرعة إلى مرحلة أخرى جديدة. قد يكون في هذا القول جزء من "الصح"، لكنه يبقى قولا يحمل في طياته رغبة في القفز على الحقيقة دون معرفتها، وهو شبيه بمن يقفز في المجهول وهو يعتقد أنه سينزل بعدها بـ"البراشوت" على أرضية صلبة.
كنت أتمنى صادقا أن يجتمع المدرب مع اللاعبين والمسؤولين وكل واحد "يفرغ قلبو" حتى يكون بعد هذا العسر يسرا، لأن ترك الأمور تسير بطريقة "خلي البئر بغطاه" في المنتخب قد يؤدي ربما إلى نضوب الماء كليا من هذه البئر المغلقة وجفافه تماما دون أن يتفطن أحد له، وعندها قد لا نجد حتى اللاعبين الذين يحملون قميصه وتكون الكارثة أكبر وأثقل وأقسى وأمر.
ما سمعناه إلى حد الآن بخصوص ملف المنتخب الوطني لا يتعدى رسائل قصيرة في تويتر وأنستغرام وحتى الفيسبوك، اختارتها الفدرالية وحتى لاعبو المنتخب للتأسف والاعتذار، وهو الحد الأدنى من الخدمة، وفي ذلك دعوة شبيهة لما يقوله عون الشرطة "تفرقوا.. لا يوجد ما يرى"، ومؤشر على أن ملف كوت ديفوار أغلق بـ"الدوبل سيس" ولن يسمع الرأي العام على الأقل في المدى القريب أي شيء عما حدث فيه قولا وفعلا.
نشدد على أهمية فتح النقاش حول الموضوع مع صناعه الأساسيين، لأنه ليس فقط الانتصارات وحدها من تصنع المنتخبات وتكبرها، ففي كثير من الأحيان تولد تلك الانتصارات من استخلاص الدروس من التعثرات والإخفاقات وحتى الانكسارات، على حد قول الزعيم نيلسون مانديلا "أنا لا أخسر أبدا، إما أن أفوز أو أتعلم"، وهي الحلقة الغائبة، بدليل أننا لم نتعلم من هزيمة الكامرون لأننا أغلقنا ملفها دون مناقشته، فتم تكرارها في كوت ديفوار.
وحده التقييم الصريح بحضور كل الأطراف من يؤسس لمرحلة جديدة على بنيان صحيح، وما دونه من تسريبات مشبوهة فهو اللجوء إلى ترقيع المرقع ولصق للزجاج المهشم وتكرار اللدغ من نفس الجحر مرات ومرات، لأن الهروب من مواجهة الحقيقة بالمصارحة قد يصلح لبعض الوقت ولكنه علاج كاذب لا يحقق المناعة التي يحتاجها المنتخب اليوم وغدا.
تمنيت لو استدعى البرلمان المدرب ومسؤولي الفدرالية والوزارة وحتى اللاعبين، في جلسة نقاش هادئة، والخروج على الأقل بوصفة علاجية، لكن يبدو للأسف أن حلول لحظة الغضب تفوقت على الرزانة.