كشف العدوان على غزة، الكثير من الحقائق وغيّر الكثير من المفاهيم التي غرسها الغرب في عقول باقي الشعوب وجعلها من المسلّمات، بل جعلها كمركب نقص لديها ووظّفها في الكثير من الأحيان ضد أنظمة ودول وجعلها مطيّة للتدخل في شؤونها وتفتيتها تحت شعار دمقرطة الأنظمة وأنسنة الحكام.
صوّر الإعلام الغربي الدول الغربية كدول غلب عليها الطابع الإنساني، وبان الإنسان وحجر الزاوية لكل السياسات التي تبنى عليها الدولة، وتعدى هذا الاهتمام ليشمل الحيونات، حيث تجد منظمات الرفق بالحيوانات، ربما أكثر من منظمات الرفق بالإنسان ورعايته، وانخرطت شخصيات شهيرة في حملات دعائية ضد دول لأنها لا ترفق بالحيوانات، وكانت الدول الإسلامية مثلا في مرمى هذه الانتقادات بمناسبة عيد الأضحى بسبب نحر الأضاحي.
هذه القيم والمثل العليا التي في الحقيقة تجسّد الطبيعة الإنسانية الحقة، في حقيقة الأمر هي مثل وقيم مخصصة للشعوب الغربية أو الجنس الأبيض، أما باقي الشعوب لا تستحق أن تلقى هذه المعالمة وليست أهلا لها، لأن باقي الشعوب في نظرهم دون العنصر البشري الذي ينتمون إليه.
وإلا كيف نفسر ما يحدث في غزة اليوم، وما حدث في العراق بالأمس وفي ليبيا وسوريا والصومال وقبلهم في الجزائر والكاميرون وناميبيا وقائمة الدول التي تعرّضت للإبادة وذاقت شعوبها كل صنوف الجرائم، لا تعد ولا تحصى وكانت كلها على أيدي دول الاستعمار التي تشترك بأنها غربية ومن الجنس الأبيض الذي يرى نفسه فوق كل الأجناس الأخرى.
ما يحدث في غزة وفي الضفة الغربية اليوم، يذكّر العالم والشعوب الحية بحقيقة الأنظمة الغربية التي لا تختلف في عقيدتها وفي مقارباتها عن باقي التنظيمات الإرهابية التي عرفها التاريخ، ومن بينها تنظيم "داعش" الذي زعموا عبثا محاربته مع أنه يتقاسم معهم نفس الأفكار المتطرفة ونفس الأهداف، وكدا وباقي الإيديولوجيات المتطرفة وعلى رأسها النازية.
كيف يمكن أن تبرر دول الغربية وقطاع من شعوبها ونخبها ومثقّفيها الداعمة للصهاينة، الهجمة البربرية الصهيونية على الفلسطينيين في غزة؟، كيف يمكن الدفاع عما تقوم به دولة الاحتلال ويقدّم بأنه دفاع عن النفس. وأكثر من ذلك ينفون وجود إبادة أو جرائم ضد الإنسانية بغزة، مع أن كل الدلائل قائمة وشاهدة على جرائم الإبادة ضد المحاصرين في غزة.
كيف ينفي وزير الخارجية الأمريكية وكذا الفرنسي، وجود جرائم ضد الإنسانية وإبادة في غزة، وهم يشاهدون يوميا ما تفعله قوات الاحتلال من استهداف ممنهج للمدنيين، وآخرها استهداف 5 مراكز للاجئين تؤوي 30 ألف نازح في خان يونس؟ كيف يمكن أن نبرّر مقتل أكثر من 25 ألف شخص في أقل من 110 يوم نصفهم أطفال ونساء بسلاح الاحتلال؟
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، التي حركت جيوشها من أجل حماسة الشعب الليبي ضد العقيد معمر القذافي، وفعلت في سوريا وفي العراق، تحت ذريعة حماية شعوب هذه الدول من دكتاتورية وهمجية حكامها، لكنهم يديرون الظهر ويغضّون الطرف عن جرائم إسرائيل، ولا يكتفون بذلك بل يدعمون مواصلة المحرقة الفلسطينية، كما صرح بذلك الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، بأن بلاده لا تؤيد وقفا شاملا لإطلاق النار في قطاع غزة، بل تؤيد فقط "الفواصل الإنسانية". فبمنطق الولايات المتحدة كيف يمكن أن نصف الفترة التي تسبق والتي تأتي بعد هذه "الفواصل الإنسانية"؟.
ما كشفته الحرب على غزة، أن العالم اليوم بين أيدي مافيا تدير العالم حسب أهوائها ومصالحها، وتوظف ورقة الإنسانية كما يحلو لها ويخدم مصالحها، ولكنها في الحقيقة هي مجرد ذئاب ووحوش تقدّم نفسها في جلد خرفان.