لم تعد مسألة المحتوى قضية فردية، وإنما تفرد لها مؤسسات الدولة العصرية مكانة مميزة في خططها الآنية والمستقبلية، بما يضمن الأمن الفكري والمجتمعي، ويعزز الثقة بما تقوم به الدولة العصرية الحريصة على تنمية مواطنيها في كل المجالات، والتي تعتز بالماضي وتعيش الحاضر وترقب المستقبل بهدي من عقيدتها السمحة وتاريخها المجيد. فالمحتوى الإعلامي، كأي علم، له مبادئ أساسية يقوم عليها ويلتزم بها، بداية من الإحساس بالمسؤولية، والموضوعية، والدقة، والصدق، وعدم التحيّز...
ورغم ذلك، تبدو مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل عام، ساحة واسعة لممارسة التنمر الإلكتروني وبث الأفكار المضرة والمسيئة، ونشر الرذيلة والكلام البذيء، والسخرية السوداء حتى في أحلك الظروف، ما قد يتسبب في مشاكل ونزاعات سياسية لا تحمد عقباها.
إن المسؤولية الأولى لصانع المحتوى الإعلامي تتمثل في الشعور بالمسؤولية القانونية والمجتمعية، وأن يتوافق ما يفعله مع الأطر التشريعية ذات العلاقة، كما أن عليه أن يستشعر القيم والعادات والتقاليد والأعراف التي تحكم السلوك المجتمعي، وإن عدم تحمّل هذه المسؤولية يعني أن مشكلة في صناعة المحتوى ستؤدي إلى صدام قانوني أو صدام قيمي مع المجتمع.
ومن الضروري تذكيرهم بأن التمسك بالقيم يعود بالنفع على الجميع، وتمنحهم مكانة تميزهم وترفع من شأنهم، في حاضرهم ومستقبلهم، ويبيّن لهم أن القيم الأخلاقية والمبادئ المجتمعية من الفضائل والخصال الحميدة للمنظومة الأخلاقية، وهي من معالي الأمور التي يحبها الله جلّ شأنه، ويدل عليه الحديث الصحيح: “إن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفاسفها”، وأن القيم الأخلاقية والمبادئ المجتمعية من معالي الأمور.
فالواجب هو إشغال ساحات ومنابر التواصل الاجتماعي بموضوعات مفيدة للفرد والمجتمع، تساهم في حلّ الكثير من القضايا الاجتماعية والتعليمية، ووضع الحلول المناسبة لها لكي تساهم في بناء مجتمع متطور، ليعيش حاضرا زاهرا ومستقبلا مشرقا يصنع حياته ومستقبله بنفسه.
فعلى الجميع، لاسيما الشباب، أن يكونوا على وعي عال، وأن يحذروا من صناع المحتوى المشبوه، وما أجمل أن يتحلى الفرد في تعامله الرقمي بالوعي الفكري الذي يكتسب من خلاله الحصانة الذاتية التي تعينه على التمييز بين الحق والباطل، والصالح من الطالح، وضرورة الحرص على المبادئ الأخلاقية والقيم الغالية، وما أجمل أن يحرص الفرد على استخدام برامج التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي سليم، وأن يحرص صانع المحتوى على نشر الخير والأخلاق وغرس القيم والمبادئ، والمحافظة على هوية وطنه وسمعة أهله وبلده.
وهناك مبدعون في محتواهم نافعون لمجتمعهم، ناشرون للخير، ولهم تأثير إيجابي كبير، فبمثلهم يستفيد شبابنا ويرتقي. لذا، نحث كل من له محتوى أن يسعى بأن يكون إيجابيا، ويراقب الله تعالى في ذلك ولا ينشر إلا ما يرضيه سبحانه، لأن الإنسان سيفنى وستبقى أعماله.
إن مواقع التواصل ليست مجرد منصات للتسلية، بل هي أدوات تأثير ذات مسؤولية، لذا، فإننا ملزمون أمام الله وجمهور الناس والمجتمع بتقديم محتوى يرتقي بالمستوى الفكري والثقافي، وتقديم محتوى إيجابي يحمل قيمة مضافة. وإن من قيم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الاحترام، وذلك من خلال المشاركة في النقد البنّاء، والتعليمات المهذبة، واحترام خصوصيات الآخرين، ومنها الخصوصية المعلوماتية، والتي يقصد بها الحدّ من إمكانية البحث والتقصي عن حياة الآخرين، وكل هذه الأخلاق حثنا عليها الشرع الحكيم، ورغّبنا فيها، وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عز وجل عنه: {وإنك لعلى خلق عظيم}. وأن يراعي المشارك تقوى الله تعالى فيما ينشره، فلا ينشر إلا الخير والمفيد، وأن يتحرى فيما ينشر الصدق والأمانة والنزاهة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا”. وينبغي أن يستشعر مسؤوليته المجتمعية والأخلاقية والقانونية تجاه ما ينشر، مستحضرا أن ما ينشره إلى أعداد غفيرة من الناس لا يتخيّلها، ولا يدري مدى تأثيرها فيهم، ولا يفوته قول الله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}.
وإن من محاذير التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي نشر الشائعات، وهذه جريمة أخلاقية وقانونية، خاصة فيما يتعلق بأمن الأوطان وسلامة المجتمعات، وهو من باب الكذب الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”. وسوء الأدب، فلا يجوز التطاول على أحد بالسب أو القذف. وإثارة الأحقاد والضغائن، مثل إثارة النعرات الطائفية والعصبيات القبلية، ونشر اليوميات والتباهي والتفاخر بنعم الله.