38serv
بعد بروز ملامح تهدئة بين الجزائر ومالي عقب أزمة عابرة شهدتها علاقات البلدين نهاية الشهر الماضي، عادت دول وظيفية لتحريك آلة الدعاية والشائعات، بهدف خلق توتر جديد بين البلدين، مدعية تقديم الجزائر مبادرة حول الوضع في مالي، في قمة دول عدم الانحياز بأوغندا.
سارعت وزارة الخارجية إلى نفي أن تكون الجزائر قد قدّمت مبادرة حول الوضع في مالي في قمة دول عدم الانحياز بأوغندا، وأوضحت أن "موقعا مزعوما على الإنترنت لتحالف دول الساحل نشر ادعاءات لا أساس لها من الصحة، زعمت كذبا أن الجزائر قدمت مبادرة بشأن مالي".
وبحسب هذا الموقع، فإن الجزائر قامت بإدراج أحكام في الوثيقة الختامية للقمة تتعلق باتفاق السلام والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر، ونفى الوفد الجزائري رسميا أنه اتخذ مثل هذه المبادرة، موضحا أن "كل ما تتضمنه وثيقة كامبالا النهائية، كلغة حول الأزمة المالية، تم تبنّيه منذ اجتماع باكو الوزاري لحركة عدم الانحياز"، وتابع بأن "هذه اللغة تخص حركة عدم الانحياز تحديدا، ولم تتدخل الجزائر في أي وقت في صياغتها".
وفي تعليقه، قال أستاذ القانون والعلوم السياسية خالد خليف إن البيان الختامي للقمة لا يهدف فقط لنفي الإشاعة التي رُوّجت حول المبادرة المزعومة، بل يؤكد أيضا تمسك الجزائر بميثاق السلم والمصالحة الذي يعتبر ركيزة بسط الاستقرار في مالي.
واعتبر في تصريح لـ "الخبر" أن "الجهات التي تروج لشائعة تقديم الجزائر مبادرة حول مالي ترغب بصفة مباشرة في جس نبض الجزائر فعليا، بعد الأحداث والتطورات الأخيرة التي حدثت في مالي من جهة، ومن جهة أخرى ترغب في دفع الجزائر نوعا ما إلى قبول المسار الجديد في مالي الذي يتضح شيئا فشيئا أنه يحمل كل أنواع الإقصاء لبعض الأطراف والمكونات المالية".
ويقصد المتحدث بكلامه توجه رئيس السلطة الانتقالية في مالي عاصيمي غويتا إلى تشكيل لجنة وطنية للحوار تتولى تجهيز تقرير يسلم خلال الشهر المقبل، وأدرج غويتا هذا الخيار ضمن ما أسماه "الأفضلية الوطنية في عملية السلام لإعطاء الفرصة لإجراء حوار مباشر بين الماليين"، في خطوة تؤشر على تنصل قادة مالي من اتفاق 2015 الموقع مع المعارضة المسلحة في شمال البلاد.
وكانت الجزائر، منذ بداية وساطتها في أزمة البلد الحدودي، دائما مع لغة الحوار والحل التشاركي بين الماليين أنفسم، مع توفير الأرضية الجامعة والشاملة لكل مكونات الشعب وأطياف الطبقة السياسية المالية، لكن يبدو أن السلطات العسكرية في باماكو تتجه نحو خيار الحسم العسكري ميدانيا، بعدما تحصلت على دعم عسكري ولوجستي من عدة أطراف دولية، في مقدمتها جماعة "فاغنر" الأمنية الخاصة.
وقبل أيام من نهاية العام 2023، شهدت العلاقات بين الجزائر ومالي هزة غير مسبوقة، عقب استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ممثلين عن حركات الطوارق المعارضين للسلطات في باماكو، وذلك في إطار مهمة الجزائر كوسيط بين الجانبين ورئيس للجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، وهي الخطوة التي أثارت حفيظة حكومة باماكو، رغم أن التحرك الجزائري جاء إثر نشوب مواجهات شمال مالي بين الجماعات المسلحة والجيش النظامي، أدت إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار لأول مرة منذ توقيعه، ما دفع قوات حركات الأزواد لمغادرة عاصمة الشمال كيدال.
أزمة مفتعلة
ومنذ بداية الأزمة، عملت أطراف مأجورة موالية لدول إقليمية وظيفية على تأجيج الوضع أكثر، حيث شنت حملة تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات أغلبها وهمية، ناشدت خلالها الشعب المالي الخروج في مظاهرات ضد الجزائر. وعلى عكس آمال الأطراف المحرضة، لم تلبِّ الجماهير الشعبية في مالي دعوات التظاهر، كما لم تنخرط السلطات الانتقالية من جهتها في حملة التحريض.
ورغم بروز ملامح انفراج حذر عقب إعادة البلدين سفيريهما قبل أسبوعين، يتضح شيئا فشيئا أن الأزمة بين الجزائر وباماكو مفتعلة، إذ تتحرك أطراف خارجية في محاولة لإشعال الحدود بهدف إلهاء الجيش الوطني الشعبي بمعارك جانبية، واستنزاف مقدرات الجزائر في تحديات إقليمية.
وفي هذا السياق، كشفت الإذاعة الوطنية سابقا، نقلا عن مصادر مطلعة، أن الإمارات العربية منحت 15 مليون أورو للمغرب من أجل إطلاق حملة إعلامية وحملات على المنتديات الاجتماعية بهدف ضرب استقرار بلدان الساحل.
وذكرت المصادر أن هذه الحملة تهدف أيضا إلى نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المغرضة، بهدف خلق جو مشحون في العلاقات بين الجزائر ودول الساحل، وهناك، بحسب المصادر أيضا، محور يتألف من الكيان الإسرائيلي والإمارات العربية والمغرب يعمل على إطلاق حملة تستهدف كلا من دولتي مالي والنيجر، لتسويق فكرة أن الجزائر تمول ضرب استقرارها.
وبالنظر إلى العلاقة القوية بين الجزائر ومحيطها الإفريقي، كثيرة هي الدول التي لا تريد للجزائر العمل على بناء بيئة آمنة ومستقرة على حدودها، وتسعى لخلق أزمات تنهك الدولة على جميع الأصعدة، إضافة إلى أن خلق صراعات جديدة وتقليص دور الجزائر في إدارة الوساطات من أجل الإبقاء على السلم الاجتماعي يراود العديد من الدول، ومنها تلك التي كانت تأمل في استعمال منظمة "إيكواس" للتدخل عسكريا في النيجر، وهو السيناريو الذي أفشلته الجزائر بالتعاون مع مالي وبوركينافاسو ودول أخرى.