السامية نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، والتوراة المحرفة هي التي نسبت شعوب العالم وقبائلها إلى سام وحام ويافث أبناء نوح عليه السلام، وسار على ذلك من خاض في التاريخ البشري الموغل في القدم، وتنوع البحث في ما يتعلق بالسامية، وتوسع الكلام حول اللغة أو اللغات السامية، وحول العقلية السامية وأوصافها ومميزاتها، وزعموها عقلية ساذجة بسيطة (طبعا تقابلها العقلية الآرية التي تتميز بها الشعوب الأوربية، وطبعا هي عقلية خلاقة مبدعة!)، وحول الشعوب السامية، وهي بوجه عام سكان سوريا وفلسطين وبلاد الرافدين وبلاد العرب وشمال أفريقية، فيدخل فيها: الفينيقيون، الكنعانيون، الكلدانيون، الآشوريون، السومريون.. والعرب، والعبرانيون (بنو إسرائيل / اليهود).
والعجب العجاب حين تظهر فكرة معاداة السامية، وتشيع ويصير لها سطوة عظيمة، ولكنها تصير حكرا على (معاداة اليهود = معاداة الصهيونية!) رغم أن بني إسرائيل هم أصغر الشعوب السامية عددا وأقلها وأذلها!. ولكن استطاعت مخابر الاستعمار الغربي العالمي أن تصنع منها بُعبعا، وسيفا ظالما مُصلتا، يسلط على رقاب كل الأحرار الذين يقولون كلمة حق تفضح الصهيونية وخرافاتها وتضليلاتها وجرائمها ومجازرها وتعديها على حقوق الإنسان والحيوان والأشجار والأرض!. أو تفضح التحيز الغربي، وكيله بمكيالين، وتوظيفه للمؤسسات الدولية والقانون الدولي في خدمة مصالحه، ووقوفه المبدئي مع الاحتلال الصهيوني و(احتلال العسكر) الاستبدادي للدول الإسلامية والعربية ودول ما يسمى بالعالم الثالث!.
إن كان يوجد شيء اسمه معاداة السامية فالأصل والمنطق يستلزمان أن تعاني منه كل الشعوب السامية!، وتحظى بالحماية منه كل هذه الشعوب أيضا!، أما أن يصير وسيلة ضغط في يد أظلم وأسوأ وأشد شعب سامي عداء للبشرية فهذا هو الاستخفاف بالعقول في أسمج صوره!، غير أن الاستخفاف يبلغ مداه حين يصير الوضع صورة كريكاتورية هزلية، وذلك حين يتهم العرب أو غيرهم من الشعوب السامية بمعاداة السامية لأجل عيون الصهيونية!، ولكن الدول الغربية لا تستحي!، ونفاقها وسماجتها وبجاحتها فاقت كل تصور!!.
الحق والواقع يوكدان أنه لا يوجد (معاداة الـ) إلا معاداة الإسلامية! فالذين يعانون من العداء حقا هم المسلمون، سواء كانوا أقلية أو أغلبية في بلدانهم، مهاجرين أو مهجرين في بلدان غيرهم!، نعم إن المسلمين أينما كانوا يتعرضون للإساءة التي تصل حد التطهير العرقي، لا لشيء إلا لكونهم مسلمين!، وهناك قطعان من البشر تتخذ موقف العداء من كل من هو مسلم ومن كل ما هو مسلم ابتداء وانتهاء!. وموقف العداء هذا دائما ما يترجم لعنف لفظي أو جسدي مادي!، لكن حين يكون الضحية مسلما فلا مشكلة!، وليس هناك ما يقلق!، فدم المسلم رخيص!، وعرض المسلم رخيص!، وحياة المسلم رخيصة!. وهذا موقف حكومات كثيرة في العالم، كما هو موقف العديد من أفراد شعوبها!. والمثير حقا هو إجماع أهل الأديان على ذلك، فالمسلمون يعاديهم اليهود الصهاينة، ويعاديهم النصارى بمختلف أديانهم، ويعاديهم الوثنيون كلهم، وحتى الملحدون لا عداء لهم إلا مع الإسلام والمسلمين!.
إن الواقع المعيش المشاهد الذي لا يخفى على أحد من الناس أنه حين يقوم متطرف مسلم أو متطرفون مسلمون بجريمة ما، تقوم الدنيا ولا تقعد تلعن الإرهاب!، وتتوعد وتتهدد الإرهاب الإسلامي! (الذين صنعوه ومولوه ونشروه ورعوه!). بيد أنه إذا ارتكب الصهاينة، مستوطنون أو جيش الاحتلال النظامي مجازر، تطهير عرقي، إبادة جماعية... وما أكثر ما يفعلون!، فالأمر عادي!، بل مشروع!؛ أليس دفاعا عن النفس!. وحين تقوم دول أخرى بإبادات جماعية للمسلمين وتهجير قسري لهم كما تفعل الهند الهندوسية أو الصين الشيوعية أو بورما البوذية، وما أفظع ما يفعلون!، فالأمر عادي!، شؤون داخلية!. وحين يقوم إرهابي متطرف في إحدى الدول الغربية بقتل المسلمين الأبرياء بدم بارد، فالأمر كذلك عادي!، فالمجرم مختل عقليا، أو مريض نفسيا، فهو معذور!، ولكن المسلمين عدوانيون لا يعذرون المرضى!.
إنها معاداة الإسلامية، قال الله تبارك وتعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة}، “فهم لشدة ما يكنونه لكم من العداوة والبغضاء يتجاوزون كل حد في التنكيل بكم، لو أنهم قدروا عليكم، مهما يكن بينكم وبينهم من عهود ومواثيق دولية وقانون حقوق الإنسان.. إلخ، فليس الذي يمنعهم من أي فعل إجرامي إرهابي معكم أن تكون بينكم وبينهم عهود؛ إنما يمنعهم أنهم لا يقدرون عليكم ولا يغلبونكم!” فإن قدروا فالويل لكم!. وصدق الله العظيم: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون}.
إن معاداة الإسلامية حرب مستمرة، وإن تدثرت بالدعاوى العريضة والنفاق السياسي، فالله عز شأنه يقول: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، وهذا تقرير صادق من العليم الخبير سبحانه يكشف عن الإصرار الخبيث على معاداة المسلمين بسبب دينهم الحق، بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم؛ ذلك أن الإسلام هو دين الحق والعدل. وما قامت حضارتهم الشاذة ودولهم الطغيانية -من أول يوم إلى اليوم- إلا على الباطل والظلم للشعوب الضعيفة المقهورة!، واستغلالها ونهب مقدراتها!، وإن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين، وإن الموقف المبدئي للكفار هو العداء للإسلام: {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، {قد بدت البغضاء من أفواههِم وما تخفي صدورهم}.
والغريب حقا أن معادة الإسلامية لم تقتصر على العالم الحقيقي، بل هي مهيمنة حتى على العالم الافتراضي، فمنصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها فيسبوك اتخذت موقفا واضحا معلنا غير خفي في معاداة الإسلامية، فهي تحارب الصّفحات والمنشورات التي تدافع عن المسلمين وقضاياهم العادلة، وتكشف ما يتعرضون له من اعتداءات وظلم!، وفي الوقت ذاته تشجع خطاب الكراهية ضدهم!. وطبعا تحارب معاداة السامية الوهمية!!. وقد أسقط طوفان الأقصى وصمود غزة ورقة التوت المتآكلة الأخيرة عن عوراتهم البشعة!!.
مع كل معاداة الإسلامية هذه باطلا وظلما وعدوانا، يبقى الإسلام عظيما رحيما، وانظر ما يقول رب العزة جل في علاه: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، ثم ماذا؟، {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير}. في مقابل الحسد والسعي لدفع المسلمين للردة، ومعاداة الإسلام يأمر الله سبحانه وتعالى المسلم بالعفو والصفح!؛ لأن الأصل في علاقة المسلم مع غيره هو السلم والأمان وحفظ العهود، إلا من اعتدى علينا فنرد اعتداءه: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين}.
*إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة