38serv
تعتبر الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا في الحرب أو العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فهي لم تتخل عن دورها كراعي رئيسي ورسمي للكيان منذ نشأته ولازالت تقدم له الرعاية والحصانة اللازمة للتغطية على كل جرائمه، بل تعمل على إلهاء الرأي العام وتحويل أنظاره كما فعلت ليلة الخميس إلى الجمعة بشن ضربات ضد الحوثيين في اليمن تزامنا مع بدء أولى جلسات محاكمة الكيان أمام محكمة العدل الدولية، الذي ينتظر أن ترفع قرارها إلى مجلس الأمن حيث سيكون امتحانا جديدا للولايات المتحدة.
على مدار حوالي 100 يوم، احتلت غزة مركز اهتمام الرأي العام العالمي، وكانت كل نشرات الأخبار وأعمدة الجرائد ومواقع الانترنت، تفرد حيزا رئيسيا للأوضاع في غزة، سواء تلك التي عملت على الكشف عن الجرائم العدوان الصهيوني بغزة، أو التي عملت على التغطية على جرائم الاحتلال ومحاولة إيجاد تبريرات لجرائمها، وتبييض سجل الاحتلال، كما فعلت وسائل الإعلام الغربية وحتى عربية، لكن يوم الخميس سرقت محكمة العدل الدولية بلاهاي بهولندا الأنظار والاهتمام من غزة، كون أن المبنى كان يحتضن أول محاكمة في تاريخ للكيان الصهيوني منذ نشأته، بعد دعوى رفعتها جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني بسبب الجرائم التي اقترفها في قطاع غزة منذ السابع أكتوبر الماضي.
هذا الحدث التاريخي وغير المسبوق، وضع الكيان الصهيوني في حرج، لأنه وجد نفسه في ثوب المتهم لأول مرة، في مواجهة جرائم وأفعال بربرية شاهدها العالم على المباشر، صدمت الرأي العام العالمي الذي اكتشف حقيقة هذا الكيان الذي بنى صورته حول أسطورة المحرقة ونال التعاطف معه، خاصة لدى الدول الغربية، وكشفت ردود فعل قادة الاحتلال المتشنجة، الذين راحوا يطلقون التهم جزافا بحث جنوب إفريقيا وحتى هيئة المحكمة، حجم الحرج الصهيوني.
لم تكن دولة الاحتلال وحدها في وضع حرج، بل حتى راعيتها الولايات المتحدة، التي حاول وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، الدفاع عن الكيان بالقول بأنه لا توجد إبادة جماعية في غزة، بالرغم من أن كل العالم يؤكد عكس ما ذهب إليه بلينكن وإدارة بايدن، وفي محاولة من واشنطن تخفيف الضغط عن الكيان وتشتيت انتباه الرأي العام الذي تابع باهتمام شديد مسار الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا، وانطلاق المرافعات، قامت مع حليفتها بريطانيا بشن عملية عسكرية واسعة في اليمن، بذريعة ضرب القدرات العسكرية لجماعة الحوثي في اليمن التي أصبحت تعترض السفن المرتبطة بالاحتلال.
ويجزم المتابعون بأن العملية العسكرية لم يكن الهدف منها استهداف الحوثيين وتوسيع دائرة الحرب، بقدر ما كانت صرف أنظار العالم عن محاكمة دولة الاحتلال، التي واجه خلالها المحامون الكيان بالحجج والأدلة الدامغة التي تدين الاحتلال وتؤكد قيامه بمجازر ضد الإنسانية، وجرائم إبادة ضد شعب أعزل.
لكن المحاولة الأمريكية باءت بالفشل، ولم تستطع أن تلهي أو تشتت الرأي العام العالمي الذي استرجع وعيه بعد اكتشافه حقيقة الكيان ودمويته من خلال كل ما اقترفه من جرائم فظيعة في قطاع غزة، حيث استشهد أكثر من 23 ألف فلسطيني نصفهم أطفال ونساء خلال 100 يوم فقط.
إن حرب غزة أدانت الاحتلال الصهيوني وأيضا الولايات المتحدة، هذه الأخيرة ستجد نفسها أمام امتحان جديد بمجلس الأمن الدولي يوم ترفع محكمة العدل الدولية قراراتها بخصوص الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، حينها ستكون واشنطن من جديد بين مواصلة دعم وحماية الكيان الصهيوني، أو الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، لكن يبقى ذلك أمرا مستبعدا بالنظر إلى التاريخ غير المشرّف للولايات المتحدة في منح الحماية لحلفائها مهما كانت الفظائع التي ارتكبوها، ومواقفها في الدفاع عن الكيان خير دليل على ذلك.