تجاوز خط التماس "ينسف" مسيرة مدرب من الأساس

38serv

+ -

سابقة تشهدها كرة القدم الجزائرية، يتم تصنيفها، دون تردد، في خانة الفضائح والمهازل المُدوّية، حملت توقيع رئيس لجنة انضباط رابطة كرة القدم للهواة، مهدي قاسي، الذي اختار "نسف" مسيرة المدرب الخلوق، سعيد حموش، من الأساس بإيقافه عن النشاط لسنة كاملة بسبب تجاوزه .. خط التماس.

وقد أحدث دويّ الفضيحة ارتدادات على مستوى الإتحادية الجزائرية لكرة القدم، حين راح مدرب وداد بوفاريك، مرفوقا بكاتب النادي، يودع طعنا على مستوى لجنة الطعون التابعة لـ"الفاف"، وهو تحت الصدمة، ولم يصدق بأنه تم إيقافه، دون سماعه أصلا، من طرف لجنة انضباط رابطة الهواة، لسنة كاملة عن النشاط، منها ستة أشهر موقوفة النفاذ، بل إن "حجم" العقوبة أثارت كثيرا من الإستغراب على مستوى "الفاف".

واللافت للإنتباه أن ما يعاب على مدرب وداد بوفاريك من طرف رئيس لجنة الإنضباط، بعد طرده في الوقت بدل من الضائع في مباراة فريقه أمام ترجي مستغانم بملعب محمد رقاز ببوفاريك، وقائع لم تحدث أصلا، ولم يوجد لها أثر، فيما دوّن الحكم عبد العالي إبرير في ورقة المباراة، وحتى في تقريره التكميلي الذي أرسله للجنة الإنضباط، بطلب منها، بما يقطع الشك باليقين، بأن "حيثيات" القرار التأديبي الصادر عن لجنة انضباط رابطة كرة القدم للهواة بريء من "براءة النوايا".

 

قرارات تأديبية مبنيّة على .. التأويل

 

وما جاء في تقرير الحكم ما يلي "تم طرد مدرب وداد بوفاريك، سعيد حموش بسبب تصرف مشين"، ليضيف الحكم عبارة بين قوسين مفسّرا ذلك التصرف المشين من وجهة نظره وحسب تقديره، ما يلي "دخول إلى أرضية الميدان والكرة في اللعب".

ولأن التأويل والتقدير خيال واسع يسبح فيه "أصحاب القرار والعقاب" في المنظومة الكروية الجزائرية، حملت "حيثيات" رئيس لجنة الإنضباط، على ضوء تقرير الحكم عبد العالي إبرير، تأويلا إضافيا من وحي الخيال، تم بموجبها فرض عقوبة قاربت في روحها ومضمونها "حكما بالإعدام" على خطأ لم يتجاوز في نهاية الأمر خطوطا حمراء .. بل إن خطأ مدرب وداد بوفاريك اقتصر فعلا على "تجاوز"، إنما لـ"خط التماس"، ليس إلاّ.

وحين نقرأ القرار التأديبي الصادر عن لجنة انضباط مهدي قاسي، بتاريخ 05 / 01 / 2024 في القضية رقم 150 المتعلقة بمباراة وداد  بوفاريك ــ ترجي مستغانم، للرابطة الثانية مجموعة وسط ــ غرب، نجد ثلاث حيثيات .. الأولى جاءت على النحو التالي : "حيث أن المدرب سعيد حموش دخل عدة مرات إلى أرضية الميدان لمنع وتوقيف هجمات قيد البناء وواعدة، متسببا في توقيف ظرفي.."، والثانية "حيث أنه وعلى ضوء تعرض المدرب سعيد حموش للإبعاد من أرضية الميدان من طرف الحكم الرئيسي"، ثم الثالثة والأخيرة "حيث أن تصرف المدرب يعتبر خط جسيما، يؤثر على الأخلاقيات الرياضية"، ليتم، بعد تكييف القضية على حسب خيال أعضاء اللجنة ورئيسها، اتخاذ القرار التأديبي التالي : "سعيد حموش .. عقوبة الإيقاف لعام واحد (01) منها ستة أشهر (06) غير نافذة بسبب خطأ جسيم والمساس الأخلاقيات الرياضية".

 

البطاقة العمياء تنافس التمريرة العمياء

 

تكييف قضية تجاوز خط التماس، بملعب لا تبعد حدود المدرب من مقعد البدلاء عن خط التماس بأكثر من نصف متر، على أنه "جريمة شنيعة"، تمس بأخلاقيات لعبة كرة القدم، وسط تضارب "تأويل" الخطأ من جانب الحكم إبرير ومن جانب لجنة الإنضباط، أمر خطير يبرز بوضوح خطورة ما يحدث على مستوى لجان قانونية يُفترض فيها الإحتكام إلى الوقائع بأمانة وإلى المواد القانونية المنصوص عليها في قانون الإنضباط وفي قانون كرة القدم الهاوية لحديد نوعية العقوبات التي تتماشى مع درجة الخطأ.

وما يلفت الإنتباه أكثر عدم تأكيد الحكم عبد العالي إبرير، في تقريره وفي ورقة المباراة بأن الحكم سعيد حموش "أوقف بدخوله إلى أرضية الميدان هجمات لمنافس وداد بوفاريك"، ولم يذكر إطلاقا بأن الأمر تعلق بـ"هجمات قيد البناء أو أنها هجمات واعدة"، غير أن لجنة الإنضباط "أضافتها" في "حيثياتها" وبنت عليها قرار الإقصاء الصادم، في حين أن الحكم إبرير "نسِيَ"، أو تخاله "تناسى" أن يقول للجنة الإنضباط بأن الحكم الرابع أمين حماداش هو الذي نادى عليه ليخبره بأن المدرب حموش تجاوز خط التماس، وهو ما دفعه إلى طرده في الوقت بدل الضائع من المباراة، بمعنى أن الواقعة التي تسببت في طرد حموش وتعرضه لعقوبة الإيقاف لسنة كاملة، لم تكن بسبب توقيفه لهجمات ترجي مستغانم، أو لأنه دخل أرضية الميدان حيث كانت الكرة في اللعب، مثلما ذكره الحكم، وإلا، لَمَا كان الحكم الرئيسي إبرير بحاجة لأن يخبره الحكم الرابع بذلك، طالما أن حموش، لو دخل أرضية الميدان حيث كانت الكرة في اللعب حقا، لكان الحكم إبرير قد رآه بنفسه .. على الأقل أننا نتفق جميعا بأن سلك التحكيم لا يملك "لخضر بلومي" .. عين على الكرة وعين أخرى على خط التماس .. بما يُحوّل التمريرة العمياء إلى البطاقة العمياء .. وقد كانت البطاقة الحمراء، حقا، في هذه القضية، عمياء".

ثم إن مكان تواجد مدرب وداد بوفاريك وأعضاء طاقمه واللاعبين الإحتياطيين، على مقعد البدلاء، قابله هجمات فريق وداد بوفاريك وليس ترجي مستغانم، بمعنى أن المدرب حموش، حتى وإن تجاوز خط التماس خلال اللعب، لم يكن ليعرقل هجمات الفريق المنافس، إلا إذا كان خيال رئيس لجنة الانضباط قد قاده إلى "التنبؤ" بأن بناء الترجي لهجماته يبدأ من حارس مرماه ومن منطقة دفاعه .. في هذه الحالة، يمكن لنا التسليم بالأمر الواقع، وسيكون علينا، بموجب ذلك، الإسراع في التواصل مع المدرب الوطني جمال بلماضي نطلب منه تدعيم طاقمه، فورا، بخبرة وبُعد نظر مهدي قاسي، قبل انطلاق "الكان"، لعل الرجل يتنبأ لنا بطريقة لعب منافسي المنتخب الوطني.

 

القانون يتحدث عن الإيقاف لمقابلتين .. لا أكثر ولا أقل

 

وبإطلالة سريعة على قانون الانضباط وقانون كرة القدم للهواة، فإننا لا نجد أثرا لعقوبة الإيقاف لسنة في حق مدرب يتجاوز خط التماس، أو حتى يوقف لقطة واعدة لمنافس فريقه، حيث ورد في المادة 107 من قانون كرة القدم للهواة وفي المادة 53 من قانون الإنضباط ما يلي : "الأخطاء الجسيمة  : مجرد منع الفريق المنافس من تسجيل هدف، أو إبطال فرصة هدف، من خلال ارتكاب خطأ على المنافس، أو مسك الكرة عمدا باليد لمنع احتساب هدف، هو لعب سلبي، يعتبر خطأ جسيم.. ويتم فرض عقوبة الإيقاف لمباراتين نافذتين".

وإذا كان "اللعب السلبي" المصنف في خانة "الخطأ الجسيم"، من المنظور القانوني، يقابله عقوبة الإيقاف لمقابلتين نافذتين، فإنه الإجراءات العقابية لا تحوز على نصوص أخرى صريحة يمكن اعتمادها في قضية سعيد حموش، غير أن "الإسقاط" الناتج عن المادة 53 من قانون الإنضباط والمادة 107 من قانون كرة القدم للهواة، يقربنا من العقوبة "المنطقية" في حال اعتبار سعيد حموش مذنبا بتجاوزه خط التماس، على حسب ذلك "الخيال الواسع" لرئيس لجنة الإنضباط .. إن الأمر يتعلق بالإيقاف لمقابلتين نافذتين وليس بإصدار حكم بـ"الإعدام".

أما "التصرف المشين" الذي دوّنه الحكم إبرير في حادثة تجاوز "خط التماس" يتعارض مع مفهوم "الخطأ الجسيم"، ويبقى في نهاية الأمر "تقدير" أو "تأويل" غير صحيح، مثله مثل تكييف لجنة الإنضباط، بعد إخضاع تقارير الحكم إلى "تأثيرات" الخيال، على أن تجاوز "الخط" هو مساس بأخلاقيات الرياضية، كون "الأخلاقيات" لها معنى آخر، لم يسبح فيه خيال هؤلاء، أو تخال خيالهم موجه مع سبق الإصرار والترصد.

بقي تساؤل فرض نفس، في الوقت بدل الضائع، من كتابة هذا المقال، وننتظر ردّا من رئيس لجنة انضباط رابطة كرة القدم للهواة... حول طريقة التعاطي مع أحداث الشغب المؤسفة اليوم، التي تم إلغاء، على إثرها، مباراة جمعية الخروب وشباب باتنة ... وقد صدمتنا صور الإصابات الكثيرة والخطيرة في صفوف المشجعين، والمهزلة التنظيمية غير المسبوقة ... في وقت نشر موقع رابطة "الهواة"، وبالبنط العريض، خبر إيقاف سعيد حموش لسنة كاملة، وكأنه سبق صحفي يلفه التشهير الرسمي ويهدف إلى الإساءة للشخص دون تبرير.

وعليه، إذا كانت عقوبة تجاوز خط التماس قابلها، تقريبا، حكما بالإعدام ... فكيف ستكون عقوبة مَن تجاوز كل الخطوط؟ ... ننتظر إجابة تبدو معقدة، ستعيد الإنضباط "قسرا" إلى مَن يمارس هواية السباحة في الخيال.