السلطة الانتقالية في مالي تستعدي مكونات أساسية في البلاد

+ -

يؤشر استقبال رئيس المجلس الانتقالي المالي، العقيد عاصمي غويتا، شخصيا، نهاية الأسبوع، حوالي عشرين طائرة مسيرة تركية الصنع في الجناح الرئاسي بالمطار وإقامة حفل تسليم رسمي بحضور كل رموز السلطة الانتقالية والتصريحات المرافقة للحدث، على أن هذه الأخيرة وضعت السياسة جانبا في إدارة أزمتها الداخلية ومرحلتها الانتقالية واستعدت عدة مكونات وشركاء أساسيين في البلد، رغم التحذيرات الأممية والإقليمية من خطورة هذا النهج وأوصيائه من الأنظمة التي صارت تدفع باتجاه الفوضى في الساحل.

وركزت السلطة الانتقالية منذ نحو عام ونصف اهتماماتها على التسليح واستقدام قوى أجنبية لـ"بسط سلطتها على كل مناطق البلاد" على حد وصفها، بينما أبطأت وأخّرت مسار العودة إلى الوضع الشرعي والدستوري الذي يقتضي إجراء استفتاء على الدستور وانتخابات رئاسية.

وبلغت مالي مرحلة متقدمة من حالة الانقسام والعداء بين عدة مكونات إثنية واجتماعية وسياسية في البلاد، على غرار حركات الأزواد وأنصار الإمام الشهير محمود ديكو الذي يحوز على شعبية كبيرة سبق أن كانت سببا مباشرا في سقوط حكم الرئيس السابق أبو بكر تراوري. هذه الوضعية جزّأت البلاد سياسيا إلى شطرين ونسفت السلم القائم في البلد منذ عشر سنوات.

واعتبر الأزواد بيع تركيا المسيرات للسلطة الانتقالية بمثابة دعم لها في حربها ضد سكان الشمال، بينما تبرر أنقرة تزويد باماكو بهذا النوع من السلاح في ظل نزاع قائم مسلح بين القوات الحكومية والحركات الأزوادية والعرب بأنه يأتي في إطار "الحرب ضد الإرهاب الدولي الذي يشكل تهديدا للإنسانية".

وأوضح سفير تركيا لدى مالي، إيفي جيلان، خلال احتفالية تسليم الطائرات، أن "مكافحة الإرهاب بأشكاله هي مسؤولية جماعية لجميع دول العالم المحبة للسلام والاستقرار".

وترفض تنسيقية الحركات الأزوادية هذا المبرر وتؤكد أن المسيرات التركية استعملت لـ"ضرب المدنيين في الشمال وتنفيذ عمليات تهجير وتطهير"، بـالإضافة إلى "الاستعانة بـمرتزقة فاغنر" بهدف "تخويف سكان تلك المناطق وإخضاعهم كليا لمنطق السلطة الانتقالية والتخلي عن بنود اتفاق السلم والمصالحة"، وفق التصريحات التي يدلي بها مسلحو الشمال.

وما يؤشر على ترجيح الحل العسكري بدل السياسي، تصريحات وزير الدفاع المالي، ساديو كامارا، وذهابه مباشرة إلى المواجهة والتهديد لمن وصفهم بأعداء السلام بالتأكيد على أنهم "لن يجدوا الراحة في كهوفهم وغاباتهم"، داعيا "المفقودين للانضمام إلى الجمهورية وإلى عملية السلام"، في إشارة على ما يبدو إلى مسلحي تنسيقية الحركات الأزوادية وأنصار الإمام محمود ديكو.

ويتبين من خلال تحليل الأحداث وتسلسلها أن السلطة الانتقالية لم تف بوعودها في تجسيد بنود اتفاق السلم والمصالحة، وفق ما ذكر الناطق باسم الحركات الأزوادية، محمد المولود رمضان، وتجاوزت المهلة الزمنية المتعارف عليها في المراحل الانتقالية بالحجج الأمنية وآخرها "تأجيل الاستفتاء إلى غاية بسط النفوذ على كل التراب المالي".

وفي الجهة المقابلة، يتعامل الأزواد مع هذه التطورات بمنطق سياسي ومسلح في نفس الوقت، حيث يخوضون معارك ضارية مع القوات الحكومية ومقاتلي "فاغنر"، وفي نفس الوقت يبدون الاستعداد للتفاوض والحوار مع الطرف الآخر، انطلاقا من اتفاق السلم والمصالحة والانفتاح على التسويات والتوافقات.

ورغم تراجع تواجد مقاتلي التنسيقية، التي يترأسها خلال هذه الدورة السنوية العباس آغ انتالا في مدينة كيدال مؤخرا، إلا أنهم لا يزالون يحافظون على تمركز وتواجد في الفيافي ويتخذون منها مناطق نفوذ ونشاط في إدارة خصومتهم ومعاركهم مع القوات الحكومية، وفق ما ذكرت مصادر مقربة من التنسيقية.  ولا يبدو على هؤلاء مؤشرات استسلام للأمر الواقع الذي تحاول السلطة فرضه، حيث تم تسجيل تحركات للقادة على مستوى محلي، إلى جانب نداءات من أعيان القبائل للتكتل ومواجهة ما يعتبرونه خطرا داهما عليهم وعلى البلاد.

ويحافظ قادة الأزواد على اتصالات مع عدة عواصم ودول تشكل اللجنة الدولية للوساطة والحوار، آخرها استقبالهم من قبل الجزائر في إطار مشاورات دُعي إليها حتى ممثلون عن السلطة في مالي وكذا شخصيات دينية ووطنية مؤثرة، على غرار الإمام محمود ديكو الذي أثارت دعوته توترا دبلوماسيا بين البلدين بلغ سحب السفيرين وتبادل بيانات احتجاجية بين وزارتي الخارجية.

وعبرت الجزائر عن طبيعة دورها في مالي خلال استدعائها السفير المالي ردا على استدعاء باماكو السفير الجزائري، وقالت إنها تتعامل مع الوضع في مالي انطلاقا من ثلاثة مبادئ أساسية "لم تحد ولن تحيد عنها بلادنا"، في مقدمتها "تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها"، ثم قناعة الجزائر العميقة بأن السبل السلمية دون سواها هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام".

ونتيجة للمبدأين الأولين، ذكرت الخارجية، فإن "المصالحة الوطنية وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة الأشقاء تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، مسار المصالحة الوطنية الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة جمهورية مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها".

 

كلمات دلالية: