الإسلام هو دين التسامح والمحبة والسلام، والسلام مبدأ من المبادئ التي عمّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءا من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض. فالإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة، ولا غرابة في أن كلمة الإسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع، وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام.
ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء سلاما ورحمة للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات إلى النور، حتى يصل الناس جميعا إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عدّة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، ما يشكل للمسلمين قانونا دوليا يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يقرر أن الناس، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم، ينتمون إلى أصلٍ واحد، فهم إخوة في الإنسانية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب للضرورة وإقامة العدل والإنصاف، ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحد على حق أحد، ولا يظلم أحد أحدا.
فالسلام ضرورة حضارية طرحها الإسلام منذ قرون عديدة من الزمن باعتباره ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية، ابتداء من الفرد وانتهاء بالعالم أجمع، فبه يتأسس ويتطور المجتمع، قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}. والسلام أمنية غالية ورغبة أكيدة، تتطلع إليه البشرية في تلهف وشوق، ولا يدرك قيمة السلم الحقيقية إلا من عاش الحرب واصطلى بنارها، ورأى وسائل الدمار والخراب، وهي تنشر الرعب بين الأبرياء، وتهدم المنشآت وتهلك الحرث والنسل.
ودين الإسلام الذي ينشد السلام ويؤمن به ويحض عليه، وينادي بتعميمه، لا يؤمن به إيمان من يتحدث عنه ويردده للتمويه وذر الرماد في الأعين، بل هو عنده عنوان وشعار يردده المسلمون في العبادة وفي التحية وفي كل آن وفي كل مكان. والسلام يعني في مضمونه العملي على أساس من مبدأ العدل، والمساواة، والحرية للجميع، بعيدا عن الأطماع البشرية الخبيثة.
إن التاريخ الإسلامي الصحيح وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته تروي (وهي صادقة) أن الحروب الإسلامية لم يكن يثيرها حب الفتح ولا التوسع الاستعماري، ولا كان يثيرها الطمع المادي فيما في أيدي الشعوب، ولا كان يثيرها مجرد الشهوة في الحروب وسفك الدماء، وإنما كانت تثار لما هو أجل من ذلك وأعظم، ولما هو خير للإنسانية من كل ذلك. وكانت تثار الحروب الإسلامية لحماية الدين والأوطان ومن أجل رد الظلم والعدوان، فالمسلم لا يرضى الضيم ولا يقبل الهوان، ولا يقف مكتوف الأيادي حين تنتهك حرماته وتستباح أعراضه أو تهان عقيدته، قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
يقول الإمام البشير الإبراهيمي رحمه الله: “وما نسبة هذه الأحكام والآداب التي جاء بها الإسلام من قبل أربعة عشر قرنا إلى ما يجري في حروب هذا العصر الذي يدعونه عصر النور والعلم والإنسانية والمدنية، إلا كنسبة نور النهار إلى ظلمة الليل. أين ما يرتكب في حروب هذا العصر المدني من تقتيل النساء وبقر بطونهن على الأجنة، ومن قتل الصبيان والعجزة، وهدم البيوت بالقنابل الجوية والمدافع الأرضية على من فيها، ومن هدم المعابد، ومن تسميم المياه والأجواء، وإحراق الناس أحياء، إلى القنبلة الذرية التي لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم؟ أين هذه الموبقات من تلك الرحمة الشاملة التي جاء بها الإسلام، والإسلام يعتبر السلم هو القاعدة، والحرب شذوذ في القاعدة؛ لأن الإسلام دين عدل ورحمة وعمران وعصمة في ما يسميه علماء الإسلام بالكليات الخمس وهي: الدين، والعقل، والعرض، والمال، والنسب”.
إن الحرب على غزة، هذه الأيام، تهدد الأمن والسلام، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في العالم أجمع، لذا كان من الضروري الوقوف صفا واحدا من أجل توقيفها ومن أجل حماية العالم من شر مستطير يحيق به.