تقارب القيمة التسويقية للمنتخبات الـ24 المشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا في كوت ديفوار الـ3 مليارات يورو، وهو رقم كفيل لوحده للتأكيد على المستوى العالي الذي اكتسبته هذه البطولة الإفريقية في الخريطة الرياضية العالمية، وأيضا لتغيير النظرة لدى الآخر الذي ظل يستصغر الكرة الإفريقية ومنتخباتها ويرمي بها على الهامش.
ومما تظهره هذه القيمة التسويقية، أنه لم تعد هناك منتخبات كبرى وأخرى صغيرة، رغم وجود هذا الفارق المالي، لكنه فارق موجود على الورق ولا علاقة له داخل المستطيل الأخضر، حيث يبقى عامل المفاجأة ليس حالة شاذة أو استثنائية، بل يكاد يمثل قاعدة في نهائيات كأس أمم إفريقيا. فكم من منتخب كان المرشح الأول للفوز بهذه الكأس، خرج مهزوما من الدور الأول، وكم من منتخب كان منتظرا أن تكون مشاركته رمزية، أسقط كل التحاليل والتكهنات ورسم لنفسه إنجازا تاريخيا من العدم.
صحيح أن الأسماء والنجوم التي يملكها كل منتخب لها دور تلعبه في هذه البطولة الإفريقية، لكنها ليست من تحدد النتيجة وليست كافية لضمان الفوز، وبالعكس من ذلك، منتخبات فقيرة بشريا لكنها تملك الطموح والروح القتالية، بإمكانها تغطية نقائصها والإطاحة بخصومها "الكبار" بالأداء والنتيجة، وهو جزء من سحر الكرة الإفريقية التي بدأت فيها كأس أمم إفريقيا تخرج من التكهنات التقليدية الخاطئة لتجعل من الحق في الفوز مفتوحا أمام جميع المنتخبات دون أدنى استثناء.
كأس إفريقيا للأمم التي تدوم قرابة شهر كامل، لمن يصل فيها للنهائي، ليست مثل التصفيات المؤهلة لها ولا شبيهة بمباريات التأهل إلى المونديال، لأنها تخص مدى تجذر روح المجموعة أو غيابها، وهي علامة فارقة في المنتخبات الـ24 المشاركة في كوت ديفوار، ومحدد لمصير كل منها، قبل الفنيات والتكتيك وطريقة الدفاع والهجوم ودور المدربين واللاعبين. ولذلك إذا لم يسموا اللاعبين على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم والانصهار في روح المجموعة، فإنه ليس بمقدور أي مدرب مهما كانت قوته وخبرته أن يملأ هذا الفراغ حتى ولو استعمل "القري قري".
وهذه الثغرة (روح المجموعة) تعاني منها للأسف كل المنتخبات الإفريقية التي لا تذوب فيها الطموحات الشخصية بسهولة لفائدة المجموعة ويغلب فيها "الأنا" عن "الأنا الأعلى" مما يفقد "شخصية المنتخب". لا يمكن في مثل هذه المعارك الكروية الإفريقية، تحقيق الهدف المرسوم والوصول إلى سقف الطموحات، من دون أن يسكن المنتخب حتى النخاع، التضامن والتعاون والتسامح والتكاتف والتجاوز والعفو وحتى الإيثار، وكم من منتخب كان يظهر عملاقا من الظاهر قبل أن يكتشف أنه كان يقف على أرجل من طين.
الذي سيفوز بكأس أمم إفريقيا في كوت ديفوار، هو هذا المنتخب الذي يجد هذه "التوليفة" ولا أحد آخر.