الحور العين، تلك الغنيمة المؤجلة التي شكّلت هوسا وإغراء لا يقاوم لدى شباب داعش والنصرة وأخواتهما، حسب ما انتشر في أدبيات الجهاديين، عبر فيديوهاتهم ومواقعهم الشهيرة. ولكن هذا البعد الغيبي الذي يشكل جزءا من عقيدتنا، ليس هو مكمن التساؤل والقلق، إنما الذي يبعث على الفضول هو تلك التصورات المفعمة بخيالات خصبة حول أشكال الحور العين، ومفاتنها ذات الخلفية الحسية المادية، وتلك الثقافة التقليدية المتوارثة التي باتت مصدرا لصور مريضة حول مضامين اللقاء الغرائزي القائم على تفاسير وصفية للمكافأة المنتظرة.
إن الثقافة التي تدور حولها الحقيقة الغيبية للحور العين، لم تحظ بقسط وافر من الدراسة لدى المتخصصين في ظاهرة الإرهاب والجماعات المسلحة، وموقعها من نظام تفكير تلك الجماعات وخلفياته السيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية، لاسيما أن مفهوم الحور العين عند الجهاديين، يمكن أن يتخذ وحدة تحليل أساسية لتفكيك النموذج المعرفي الذي يقف خلف تلك المشاهد المرعبة والمتوحشة لتعاملات جماعات الجهاديين في سوريا مع ضحاياهم من جثث القتلى والرؤوس المقطوعة، ومناظر الرقص على الجثث ومضغ القلوب والأكباد، حيث إن المتابع لما يجري في سوريا من فظائع ترسخ صورا لأجساد فصلت عن رؤوسها، وباتت تتقاذفها الأرجل في مراهنات على أوزانها على إيقاع من التكبير والتهليل، في مظاهر لا يمكن أن يستوعبها عقل أو يتحملها وجدان. والسؤال كيف يمكن لقلوب مريضة ونفوس عليلة يسكنها كل هذا الشر وهذه الدموية وعقول مصابة بكل هذه اللوثات الخطيرة أن تنظر إلى الحور العين؟ لاسيما أن موضوع الحور العين مفارق لعالم الشهادة وتفسيراته خلافية. وإذا كان النعيم في الجنة حسي ومعنوي، أين مكان المعنى من تركيبة هؤلاء الذين يخال المرْء لوهلة وكأنهم غزاة قادمون من كوكب آخر؟ إن ثقافة الحور العين لدى الجماعات المسلحة هي امتداد لتراث فقهي وضعي، وتفسير تقليدي جامد لم يدخل في صيرورة ارتقاء معرفي تجديدي من عصر إلى عصر، حسب التطور العلمي والفكري للإنسان، حيث يكون لكل مرحلة ثقافة استيعاب جديدة، تكون في مستوى حقيقة صلاحية القرآن لكل زمان، لهذا السبب عجزت التفاسير عن تجاوز الوصف للشكل والمبنى لدى الحور العين، فمنعت بذلك ملامسة الجوهر والعمق والمعنى، بسبب عدم القدرة على اعتماد مقاربات تقوم على مستوى من التجريد والفلسفة، فيما يخص قضايا المرأة المتمركزة بطبيعتها حول الجسد، الأمر الذي انتهى إلى تفسير مادي لأكثر المواضيع غيبية، مثل موضوع الحور العين، ولاستيعاب ذلك علينا مراجعة المنظومة الفقهية، وما اعتمدته من تفاسير النصوص الخاصة بالمرأة، في فترات مختلفة من التاريخ.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات