يبقى النزاع في الصحراء الغربية، آخر مستعمرة بإفريقيا، أحد النزاعات التي تهدد المنطقة أمنيا واقتصاديا وسياسيا، بسبب استفادة الاحتلال المغربي من دعم حلفاء يهمهم إبقاء الوضع في حالة غليان، لكن الوضع أصبح مفتوحا على كل الاحتمالات بعدما اتخذت جبهة البوليساريو قرار تصعيد المعركة وتصعيد عملياتها العسكرية داخل الأراضي المحتلة.
الجرح المفتوح في الصحراء الغربية منذ 48 سنة، أي منذ احتلال المغرب لإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، عشية انسحاب المستعمر الاسباني، من دون أن يمكن الشعب الصحراء الصحراوي من التعبير عن رأيه بخصوص مصيره، وتسليم الإقليم عبر اتفاقية مدريد، للمغرب وموريتانيا، قبل أن تنسحب الأخيرة، ويضع المغرب يده على الجزء النافع من الصحراء الغربية.
منذ ذلك التاريخ والدماء تسيل إلى غاية سبتمبر 1991؛ بعد إرغام جبهة البوليساريو المغرب بقوة السلاح على التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات تفضي إلى تنظيم تقرير المصير، لكن المغرب ظل يماطل ويناور على مدار 19 عاما، دون نتيجة، لتكون أحداث القرقرات السبب الذي فجّر الحرب من جديد بعد اعتداء قوات الاحتلال على مدنيين صحراويين أمام ثغر القرقرات غير الشرعي، الذي كان القطرة التي أفاضت الكأس، وعادت الحرب من جديد إلى الإقليم المتنازع عليه، الذي ينتظر شعبه تقرير مصيره والاستقلال.
لكن الوصول إلى هذا المبتغى يصطدم بالعديد من العراقيل؛ على رأسها الاحتلال المغربي الذي تحركه عقيدة توسعية، لا تتركه يحترم لا حدود دول جيرانه، ولا يعطي بالا لأواصر الأخوة والدين والتاريخ، بل على العكس دخل في تحالفات مع قوى أجنبية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني، يرمي من ورائها لتحقيق أحلامه في التوسع شرقا وجنوبا، مقابل خدمة أجندات هدفها الأول زرع الفتنة واللااستقرار.
ورغم التحركات الأممية وجهود المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، من أجل تحريك الملف وإعادة بعث مسلسل السلام عبر إعادة إطلاق المفاوضات بين طرفي النزاع، الاحتلال المغربي وجبهة البوليساريو، إلا أن المخزن لا يزال يماطل ويضع العراقيل.
في غضون ذلك، كثفت الولايات المتحدة من تحركاتها لخلق ديناميكية تدعم جهود دي ميستورا، وأرسلت على مرتين جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية والمكلف بشمال إفريقيا بوزارة الخارجية الأمريكية، إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، التقى خلالها بقيادات الجبهة وفي مقدمتها الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي، حيث أكد على دعم واشنطن لجهود دي ميستورا وتحدث عن حل يضمن العيش الكريم لسكان الصحراء الغربية. لكن تبقى تحركات واشنطن يكتنفها الكثير من الغموض، خاصة وأن المسؤولين الأمريكيين منذ مجيء إدارة بايدن، لم تعلق على "تغريدة" ترامب بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء، ورفضت الخوض في الموضوع بشكل علني إلى اليوم.
وأمام التعنت المغربي وسلبية الموقف الأممي، الذي لا يبدي أي حزم في التعامل مع المغرب، بالإضافة إلى الدعم الذي يتلقاه نظام المخزن من قوى في مجلس الأمن وخارج مجلس الأمن، لمواصلة احتلاله للصحراء الغربية، وإبقاء المنطقة رهينة هذا النزاع، انتقلت جبهة البوليساريو إلى مرحلة جديدة من إدارة الحرب في الصحراء الغربية.
فبعد أن اكتفت على مدار سنتين بقصف تموقعات الجيش المغربي على طول الجدار الفاصل في الصحراء الغربية، عمدت خلال الفترة الأخيرة لاستهداف مصالح الاحتلال في الأراضي المحتلة، على غرار قصفها لعدة مناطق بمدينة أوسرد المحتلة. منذ أيام قليلة، تم تداول فيديو لقوات خاصة صحراوية وهي تنفذ مناورات تحاكي قتالا داخل المدة، وهو ما اعتبر رسالة إلى الاحتلال ليحضّر نفسه لمعاركة جديدة مختلفة عن تلك التي شهدها من قبل.
وتتمسك جبهة البوليساريو، الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، بحقها في استخدام كل الوسائل الممكنة والمشروعة؛ بما فيها استعمال السلاح، لتحقيق مطالب الصحراويين وعلى رأسها الحق في تقرير المصير والاستقلال. ويدفع السلوك المغربي المنطقة نحو المزيد من التعفين والبلقنة، من خلال الإمعان في ضرب القوانين والقرارات الدولية عرض الحائط؛ من خلال احتلال أرض الصحراويين والبطش بهم من خلال القتل والتهجير والإخفاء القسري والمحاكمات الجائرة.
إن الوضع في الصحراء الغربية الذي يتجه أكثر فأكثر نحو التصعيد، سيكون بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة في منطقة الساحل بسبب الانهيار الأمني وتغول الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب المخدرات، التي يتورط فيها نظام المخزن أيضا، معطيات تجعل المنطقة مفتوحة على كل السيناريوهات التي ستحولها إلى بؤرة من بؤر التوترات الدولية، ستجدب إليها المزيد من الفواعل الدولية التي ستزيدها تعقيدا وانفجارا.