صراع السودان.. اقتتال متمدد وسط آفاق حل مسدودة

+ -

في وقت تتجه أنظار العالم إلى غزة، تتفاقم معاناة آلاف السودانيين، الذين يعانون ويلات حرب اندلعت في أفريل الماضي، بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وخصمه الذي يقود قوات الدعم السريع، حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، واقتربت الحرب من إتمام شهرها التاسع، من دون أن تلوح في الأفق بادرة حل، على الرغم من أن طرفي النزاع، الذي تمدد زمنه ونطاقه وتوسعت رقعته وتضاعفت خلاله معاناة سكان البلاد، بصورة أكثر مأساوية، كانا يصرحان منذ البداية أن الأزمة ستحل بالتفاوض.

الأرقام التي خلفها الصراع في السودان، بين البرهان وحميدتي، ارتفعت خلال أشهر الحرب، وأصبحت صادمة، حيث أدى الاقتتال إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص. كما تسببت المعارك في نزوح أكثر من ستة ملايين شخص، وتدمير معظم البنية الأساسية في السودان. وفي مدينة أرداماتا الواقعة غرب دارفور، قتل مسلحون 800 شخص وتم تدمير 100 مأوى في معسكر للنازحين، ما دفع ثمانية آلاف شخص للفرار إلى تشاد المجاورة خلال أسبوع واحد، وفق أرقام الأمم المتحدة، التي أشارت إلى سقوط "حوالي ألف قتيل" في زهاء يومين في أرداماتا، في ما يبدو أنها حملة "تطهير عرقي".

ومنذ بداية النزاع، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 1,5 مليون نازح داخل إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد، البالغ 48 مليونا، فيما عبر حوالي 1.3 مليون شخص إلى البلدان المجاورة المتمثلة في كل من "تشاد ومصر وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان، كما نزح 5.3 ملايين شخص داخليا في 4.473 موقع في جميع ولايات البلاد، كما أجبر ما لا يقل عن مليوني طفل على ترك منازلهم.

وفاقم امتداد الصراع إلى عدة أشهر وتوسع رقعته، من الأوضاع الإنسانية والصحية المتردية، حيث أبلغت منظمة الصحة العالمية عن أكثر من 3 آلاف حالة يشتبه في إصابتها بالحصبة، وعشرات الوفيات مرتبطة بها. كما كشفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، عن معاناة 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد. فيما لا يحصل 41 مليون طفل على الخدمات الأساسية التي يحتاجونها للبقاء، بينما يتعرض أكثر من 3 مليون طفل تحت سن الخامسة لخطر الإسهال الحاد والكوليرا، فضلاً عن عدم تلقي 1.7 مليون طفل اللقاحات.

وفي سياق تردي الأوضاع التي خلفها الاقتتال بين البرهان وحميدتي، ذكرت المنظمات الأممية أن 19 مليون طفل لا يحصلون على التعليم، ولا يصلون إلى الأمان وخدمات الدعم النفسي، منبهة إلى أن 700 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد ومعرضون لخطر الوفاة. أما فيما يتعلق بالتقارير الخاصة بجرائم الاغتصاب والاستغلال الجنسي والعبودية والاتجار بالبشر، فباتت لا حصر لها وقد تكون في بعض الحالات ذات دوافع عنصرية وعرقية وسياسية.

وبشأن مصير الأزمة، التي تزداد خطورة يوما بعد يوم، يرى الدكتور حكيم بوغرارة، المحلل السياسي وأستاذ الإعلام والاتصال بجامعة المدية، أن توجهات الصراع تسير نحو المجهول، خاصة في ظل إعلان سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق حيوية وإستراتيجية في السودان، كإعلان سيطرتها مؤخرا على ود مدني: "فهذه التطورات العسكرية وضراوة الاقتتال، سيفتح المجال لمزيد من الانتهاكات في حق الشعب السوداني والدفع بالمزيد من اللاجئين إلى الدول المجاورة، نتيجة لغياب أفق للتسوية السياسية".

كما يرى المتحدث أن ما يزيد الأمر تأزما؛ هو أن الطرفين المتحاربين، المتمثلان في كل من البرهان وحميدتي، أثبتا الولاء للخارج أكثر من الولاء للداخل، و"إلا لكانا قد وقعا على الاتفاق النهائي الإطاري، الذي يسمح بمنح تسيير السودان إلى المدنيين، ودخولهم هم إلى الثكنات". ولكن في 15 أفريل، وبالنظر لطمعهم في المناصب والرغبة في السيطرة على السودان، والإبقاء على مصالح الدول الأجنبية، طغت على المشهد، فالأطراف السودانية - حسبما يضيف الدكتور بوغرارة - "ترقص على جثث المواطنين، وعلى أنغام الدول الأجنبية التي تخوض حربا بالوكالة على أرض السودان".

ولعل طرد بعثات أممية ودبلوماسيين إماراتيين، مثلما حدث قبل أيام، من الأراضي السودانية على خلفية اتهام الإمارات بدعم قوات حميدتي، يؤكد شدة الاختراق الذي تعرفه الأزمة السودانية، وفق ما يشير المتحدث، الذي يضيف أن تواجد السودان أمام المسالك البحرية التجارية الدولية، والبحر الأحمر، وباب المندب، والقرن الإفريقي، أدى إلى نشوب ما يشبه حربا عالمية بالوكالة، بالإضافة إلى العمل لجعله دولة هشة حتى يتم اختراقه بسهولة، ومنه السيطرة على إفريقيا والقرن الإفريقي ودول الساحل والبحر الأحمر، وكل ذلك يجعل التطورات خطيرة جدا والآفاق مسدودة.

وفي ظل عجز اللجان الرباعية والثلاثية المشكلة من طرف بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والنرويج، ودخول السعودية على الخط عبر منصة جدة للحوار، التي لم تفض إلى أمور كثيرة بقدر ما زادت أزمة السودان تعقيدا، لأن التفاهمات التي تم التوصل إليها لم تجد طريقها إلى الميدان، وهي مقتصرة فقط على تصريحات إعلامية وتبادل للتهديدات، و"بالتالي فالآفاق ما تزال مسدودة".

 

كلمات دلالية: