اعتبر صاحب رائعة "وين الملايين" الشاعر والمنتج الليبي علي الكيلاني، أن "الكلمة هي الذخيرة التي لا تحتاج تخزينا، فخزائنها هي قلوبنا"، وقال إنه دائما ما كتب لفلسطين وواكب ثورتها وانتفاضتها وأغانيه كانت تقاتل: "أحسست أن هذه الأغاني رفعتني إلى ميدان المعركة وقاتلت مع الفلسطينيين"، وأضاف في حوار لـ "الخبر" بأنه بصدد انجاز مشروع ملحمي يجمع بعض أغانيه الثورية وتمنى لو تتبناه الجزائر.
ماذا تعني لك المشاركة في ملتقى المقاومة العربي في الجزائر؟
طبعا سعيد بالمشاركة، سعيد بالدعوة وبشكل خاص أن الجزائر تدعوني، وهو المكان الطبيعي الذي أحسست نفسي فيه مقاوما، شهداء الجزائر أعطونا دفعة جميلة ودرسا نستفيد منه في تاريخنا، مليون ونص مليون بندقية، ومليون ونص مليون روح خسرناهم في المعارك، لكن انتصرت ملايين الجزائريين. لهذا أنا الآن في مكان نصر والموقع الطبيعي للجهاد، أتمنى أن يكون إن شاء الله هذا النصر في غزة.. فهذا يعني لي الكثير، أنا مقاوم بالكلمة وكاتب أغاني مقاتلة، وأحس أن أغاني أثمرت لما أشوف الجزائر تقول "وين الملايين" في كل مكان، في الدكان، في السوق، في المقهى.. وهذه الخطوة أعطتني دفعة جميلة جدا معنويا.
فلسطين اليوم بحاجة لكل الأصوات الصادقة، ماذا تقول أنت اليوم كشاعر لفلسطين ولغزة؟
بصراحة أنا مواكب للأحداث ومنذ الانتفاضة الأولى وكل سنة أكتب نشيدا، في الانتفاضة في 8 ديسمبر 1987 كتبت فيها "ثوري ثوري ثوري.. ثوري بالحجار.. باعوك الكبار.. ثوري بالصغار ما غيرها قرار"، هذه الأغنية كانت صورة للحجارة والمقلاع، لأنها كانت ثورة بالمقلاع والحجارة، و"الحطة" وهي الوشاح الفلسطيني. أحسست أن هذه الأغاني رفعتني إلى ميدان المعركة وقاتلت مع الفلسطينيين في 87، وبعدها قدمت أغنية "يمي" وتقول كلماته "يمي يمي.. في الدار يمي نلتقي.. وصُعبت علينا دارنا"، وبعدها قدمت "وين الملايين، الشعب العربي وين"، وبعدها أغنية "حمام القدس"، وهكذا فأنا مواكب للثورة الفلسطينية بالكلمة وأحس أنه مثلا "وين الملايين" وباقي الأغاني جنود مقاتلة، فـ "وين الملايين" عمرها الآن 33 سنة، عمر مقاتل الآن في الضفة أو جنين أو غزة. كما أن الأغاني أرّخت للأحداث، فهي توثيق لسناء محيدلي وسليمان خاطر وشهداء فلسطين والأردن ولبنان، ولهذا أنا مواكب للثورة الفلسطينية وأكتب لها وما أزال أكتب لها.
الشاعر علي الكيلاني هاجسه الهم العربي، هل ما يزال الشعر هو صوت العرب وموقظ الشعوب؟
الكلمة هي الذخيرة التي لا تحتاج تخزينا؛ فخزائنها هي قلوبنا، فالذخيرة يلزمها مكان وخنادق وحراسة، أما قلوبنا فمليئة بالذخائر التي تكتب كل يوم عن فلسطين، ومن المفروض نزيد من هذه الذخيرة ونطورها مثل ما طورنا السلاح. الصاروخ كان حجارة ومقلاع وطوّرناه إلى صواريخ القسّام ومدافع المقاومة، هكذا الكلمة نطورها لتهز عرش الصهيونية والمتعاطفين معها والمتراخين من الدول العربية، فأنا دائما همي الأمة وتاريخ الأمة حتى لا نضيع. يمكن أن نخسر سياسيا ونخسر حكوماتنا، لكن ثقافيا وحماسيا لا نخسر (حماسيا ليس من حماس، لكن من الحماسة)، لهذا أنا غير محبط ومعنوياتي مرتفعة جدا، والدليل اليوم في المنطقة هذه كل الشارع يردد معي "وين الملايين".
لماذا في رأيك عادت قصيدة "وين الملايين" مؤخرا، وحافظت على موقعها في القلوب، حتى شباب اليوم الذي لم يعش فترة كتابة الأغنية يرددها؟
الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فهذا النشيد مثل الشهداء حي بهم، عمر نشيدي 33 سنة، وهو عمر مقاتل. هناك أغنية أصالة نصري التي تقول "شهدانا قوافل وعزومنا جبال.. لا نركع لسافل.. لا نهاب اعتقال"، هذه أغنية قدمتها وجاءت في الترتيب الأول في القاهرة من 600 كلمة إذن هذه أغنية لا تموت، "في قلب الجنين.. مكتوبة فلسطين.. مرفوع الجبين.. في بطن أمه شهيد".
لن يموت هذا النشيد و"وين الملايين" كان يسمعه ليس الفلسطينيين فقط بل يسمعه 400 مليون عربي، منهم مقاتلين ومنهم من قلوبهم معنا، فهذه القلوب الآن التي فيها الملايين تسأل زادت من عمر النشيد، لأن القصور انبطحت والحكام انبطحوا، لكن الشعوب انتصرت والآن فلسطين انتصرت، تعرفون أين وصلت شعبية فلسطين، هي الآن في شوارع نيويورك وسيدني وكندا وإفريقيا وآسيا وأوروبا، وكل قارات العالم متضامنة مع فلسطين. إذن مثل هذه الأغاني وهذه الإيقاعات والكلمات والملاحم ترفع من همة العرب الذين يحسون بالهزيمة، وأنا بالعكس أحسست بالانتصار.
أقدم تحية لجوليا بطرس وأمل عرفة وسوسن الحمامي المطربات اللواتي جسدن فكرة الأغنية، وهي فكرة "وين الملايين" التي جاءت من خلال أربعة مقاتلين أخذوا طائرة شراعية وطلعوا من لبنان على دامونة، فثلاثة شهداء وقعوا فلسطيني ولبناني وسوري، فأخذت هذه الجنسيات وقدمت وين الملايين، فهنا ارتباط الأغنية بالجهاد وبالفدائيين وبالكفاح.. "وين الملايين" تؤرخ للمعارك والمكان والزمان والشهيد.. لقد أرّخنا للشهداء في الأغاني.
كتبتم للراحلة ذكرى محمد أيضا أغاني جريئة؟
ذكرى محمد فنانة تونسية وصوت رائع.. جاءت من تونس وبدأت معها المناشير وهي نوع آخر من الأغاني.. المناشير السياسية ليست الأغاني الوطنية، هذه أغاني من نوع آخر، أغاني سياسية مائة في المائة وطارقة خارقة اخترقت الجماهير بالكلام المباشر الجريء. فأنا اعتمدت هذه المناشير لذكرى محمد، عشرة مناشير وهي أسئلة سياسية عن موقعنا كأمة، فنحن أمة مهددة ومستهدفة وأمة ستضيع، فهذه الأغاني تنبه للنكسات وترفع الهمم.
لديكم علاقة قوية مع الراحلة ذكرى محمد، قدمتم لها حوالي 70 عملا.. ما هي الذكرى التي احتفظت بها عنها؟
كل من يتكلم عن ذكرى يقول بأنها لا تتكرر، وهي لا تتكرر كصوت، حماسها أيضا لا يتكرر، وهي ملاصقة لي، فهي لا تتردد في أداء أغاني علي الكيلاني، وكانت مستعدة لتقديم أي عمل من كلماتي. وحقيقة تطرفنا في الأغنية، خاصة في المنشور السياسي، وهو غير معتاد في الأغاني التقليدية وقدمت معها لونا يشكل خندق مقاتل. نترحم عليها اليوم، فذكرى وفاتها مرت من أسبوع.. قدمت لي شكلا جديدا ولونا جديدا وأعطت دفعا للأغنية السياسية والوطنية والثورية، وأيضا لديها مخزون هائل من الأغنية الاجتماعية والتراثية معي. من 70 أغنية هناك 4 أو 5 أغاني سياسية وهي المناشير.. وغنت للعراق وفلسطين ولبنان وليبيا وللوطن العربي بصفة عامة، فهي ظاهرة في الصوت.
هل هناك قصيدة ندمت على كتابتها؟
لا. لا توجد أي قصيدة ندمت على كتابتها أبدا.. بالعكس ندمت أنني لم أنتج مع ذكرى محمد أكثر.
ما هي أعمالك المستقبلية؟
قصيدة تقول "يا عواصم من عصمنا أنت وإحنا للعدو.. ويا حكايمنا انحكمنا برا وبحرا وأرضا وجوا.. ملك الناتو سمانا وانحدرنا من علو.. وللأمانة وبأمانة تهنا يا أصحاب السمو".. وتسمعون هذا العمل كسلسلة سلكها وخيطها كل الأغاني السابقة ملحومة ببعض، تبدأ بهذا النشيد وفيها "يمي" و"ثوري" و"حمام القدس" بشكل ملحمي، يا ريت أجد بلدا يتولى هذا الموضوع وأطلب من الجزائر ووزارة الثقافة أن يتبنوا هذا العمل وأنا مستعد أن أبثه من الجزائر.