لم تنقض سنة 2023 حتى وضعت قطاع المناجم على سكته الصحيحة، كونها كانت شاهدة على إطلاق أحد أهم مشروعين في هذا المجال، من شأنهما تغيير واقع الاقتصاد الوطني من منطلق المخزون الذي سيوفرانه من حيث المواد الأولية، على غرار الحديد والزنك والرصاص.
فبعد عقود من الانتظار والترقب انطلق استغلال منجم الحديد بغار جبيلات في ولاية تندوف لتغطية الاحتياجات الوطنية من الحديد والصلب في إطار الاستجابة إلى طلب المشاريع الوطنية، فضلا عن توجيه الفائض من الإنتاج نحو التصدير للحصول على العملة الصعبة، بعد أن كان تأمين هذه المادة ينهك الخزينة العمومية في السنوات القليلة الماضية بسبب اللجوء إلى الاستيراد لتأمينها.
هذه الخطوة وقف عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون شخصيا، تأكيدا على البعد الاستراتيجي لهذا المشروع وتأثيره على العديد من القطاعات الأخرى. وخلال إشرافه على افتتاح المنجم، أكد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب أن هذه الخطوة تندرج ضمن التوجهات الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن الاحتياطيات التي يتمتع بها منجم غار جبيلات تفوق 3 ملايير طن، وهي سهلة الاستغلال نظرا لوجودها على السطح.
وقال الوزير إن هذه المرحلة تتوّج عدة سنوات من الأشغال والدراسات أنجزت من قبل أكبر المخابر العالمية، حيث مكنت هذه الأخيرة من تحديد المنتجات القابلة للتسويق على المستويين الوطني قبل المضي في هذه المرحلة التي تمثل الشروع في انطلاق الاستغلال المنجمي الذي يعتبر الخطوة الأولى من أجل تجسيد هذا المشروع الضخم.
وأكد عرقاب في الاتجاه ذاته على تكثيف برامج البحث المنجمي وتطوير المشاريع الصناعية المنجمية الكبيرة الهادفة إلى تثمين الموارد المعدنية المحلية، على غرار مشاريع تحويل الفوسفات (تبسة)، استغلال الزنك والرصاص بواد أميزور (بجاية) وتطوير مكمن الحديد في غار جبيلات (تندوف) لتزويد صناعة الحديد والصلب الوطنية.
وبخصوص هذه الصناعة، التي تكتسي أهمية قصوى في تطوير الوطن، أشار الوزير إلى أنها تطورت بشكل ملحوظ، حيث تقدر توقعات إنتاج الصلب السائل لعام 2025 بـ12 مليون طن وقد تتزايد لتصل إلى 16 مليون طن في عام 2030، وقال إن هذا المستوى من الإنتاج يتطلب حوالي 30 إلى 40 مليون طن من خام الحديد من أجل الاستجابة لهذا الطلب وتقليص فاتورة الواردات التي سجلت في عام 2021 أكثر من 4.5 ملايين طن بقيمة مالية فاقت واحد مليار دولار، التي من المتوقع أن تتجاوز مليار دولار في عام 2025.
ويمر إنجاز مشروع منجم غار جبيلات الهيكلي بعدة مراحل ممتدة من 2022 إلى 2040، الأولى إلى غاية سنة 2025 يتم خلالها استخراج 2 إلى 3 ملايين طن من خام الحديد ونقله برا (في انتظار إنجاز خط السكة الحديدية الرابط بین بشار وغار جبيلات) إلى بشار وشمالها من أجل تحويله وتثمينه من قبل متعاملين وطنيين وفي إطار الشراكة مع المؤسسة الصينية، والمراحل الموالية ابتداء من 2026 تنطلق مباشرة بعد إنجاز خط السكة الحديدية، حيث سيتم استغلال المنجم بطاقة كبرى تسمح باستخراج من 40 إلى 50 مليون طن سنويا.
وبتكلفة تقدر بـ471 مليون دولار باشرت وزارة الطاقة والمناجم خطتها لتطوير مكمن الزنك والرصاص في منطقة وادي أميزور وتالة حمزة في ولاية بجاية، لاسيما في ظل شح هذا النوع من المواد الاستراتيجية على مستوى العالم، حيث تصل الاحتياطيات القابلة للاستغلال في هذا المنجم الذي يتربع على مساحة 23.4 هكتار إلى 34 مليون طن.
وينتج هذا المنجم، حسب الدراسة المنجزة مع الشريك الأسترالي، 2 مليون طن في السنة، منها 170 ألف طن من الزنك و300 ألف من الرصاص، كما يساهم المشروع في توفير 786 منصب عمل مباشر، بالإضافة إلى 4000 منصب غير مباشر.
وعملت وزارة الطاقة والمناجم مؤخرا على إعادة تشكيل المساهمة للشركة 51 في المائة للطرف الجزائري و49 في المائة للطرف الأسترالي، تبعها إعداد دراسة الخطر، سبتمبر 2022، ثم دراسة الأثر البيئي في شهر جانفي الثاني 2023.
وتبعتها بعد ذلك المراحل الإجرائية على غرار الموافقة كمؤسسة مصنفة وصدور مرسوم يقضي بإلغاء تصنيف 6.6 هكتار من الأراضي الفلاحية لصالح المشروع، تمت المصادقة عليه ونشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 2 جويلية 2023، وبعدها صدور مرسوم التصريح بالمنفعة العامة المتعلق باستغلال مكمن الزنك والرصاص، المصادق عليه والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 23 سبتمبر 2023.