بعدما ظلت الحدود البرية الغربية مجالا خصبا لشتى أنواع الجرائم الماسة بالأمن والاقتصاد الوطني، استدعت تدابير حازمة وضعتها القيادة العسكرية العليا لمكافحة المخطط التدميري القادم من الرباط، باتت المنطقة الحدودية البحرية مجالا جديدا للأعمال غير المشروعة التي تهدد أمن الإقليم الوطني وسلامة منشآته الحيوية، بل تكون المياه الإقليمية الغربية نقطة استهداف وضعها نظام المخزن كهدف جديد لأعمال عدائية غير تقليدية.
تثير عملية ضبط 3 رعايا مغاربة حاولوا اختراق المياه الإقليمية الوطنية عبر دراجات "جات سكي"، نهاية الأسبوع الماضي، عدة استفهامات حول ما تحمله هذه الاختراقات من أجندات وتهديدات، فالأمر لا يتعلق بنشاط مرتبط بحركة الملاحة التجارية، ولا بجنوح قوارب صيد أو نزهة، بل هو نشاط مريب لجهات أدخلت الدراجات فائقة السرعة والحركة في مخططاتها الإجرامية، فقد أضحت "الجات سكي" وسيلة فعالة جدا في أنشطة نقل المخدرات والجريمة المنظمة، وصارت رقما صعبا منذ سنوات في معادلة تجارة البشر بين الضفة الشمالية للمغرب وجنوب أوروبا، فيما يكون الشريط الغربي للجزائر قد دخل الحسابات.
ومما يثير المزيد من القلق والمخاوف، أنه رغم النهاية المأساوية لعملية اختراق قادها رعايا مغاربة شهر سبتمبر الماضي انتهت بمقتل شخصين، إلا إن المحاولة تجددت نهاية الأسبوع وبنفس الأسلوب، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات إن كان نظام المخزن أو جهات مرتبطة به تدفع برؤوس أبنائه إلى فوهات البنادق الجزائرية في إطار مخطط استفزازي جديد، يستجلب به نظام المخزن حملات التباكي العربي والغربي ويضخ مزيدا من الدعاية والشيطنة للجيش الوطني الشعبي؟ أم أن عصابات الجريمة الدولية المرتبطة بأجهزة الحكم في المغرب وضعت المجال البحري الخاضع للسيادة الوطنية كنقطة استهداف أو استنزاف جديدة، بعد التضييق على المسالك البرية؟ كيف لا والوسيلة المستعملة عبارة عن دراجات نفاثة ذات قدرة عالية على المناورة المائية، ولا يمكن رصدها أو التصدي لتحركاتها بالقطع الثقيلة، بالتواجد المستمر لدوريات حراسة الإقليم عبر القوارب نصف الصلبة مصممة للتعامل مع المناورات في عرض البحر، ومراقبة الحركة عبر المساحات القريبة من الشواطئ. وفي ظل تنامي هذا النوع من الاختراق، فإن ذلك يشكل تحديا جديدا يتطلب تسخيرا أكبر للوسائل المادية والبشرية، ويستدعي أعلى درجات ضبط النفس لتفادي الانجرار إلى أي مخطط عدائي.
فلم تكد تهدأ عاصفة الحملة الإعلامية المركزة التي قادتها عدة صحف ومنصات مغربية دولية وعربية موالية لنظام المخزن، والتي روجت لقيام القوات البحرية بإطلاق النار على رعايا مغاربة "سيّاح عزّل" قبل 3 أشهر، حتى قطعت وزارة الدفاع الوطني حبال الشكوك وقدمت الرواية الميدانية عن ملابسات الحادث، والذي كاد أن يتكرر أول أمس حينما أعلنت أن قوات حرس السواحل التابعة للواجهة البحرية الغربية تمكنت من ضبط 3 رعايا مغاربة حاولوا اختراق المياه الإقليمية الوطنية.
وزارة الدفاع الوطني التي تواصل التحقيقات الأولية قالت إن وحدة من حرس السواحل، تابعة للواجهة البحرية الغربية بالناحية العسكرية الثانية، أوقفت 3 أشخاص يحملون الجنسية المغربية على متن دراجة مائية، قاموا باختراق حدود مياهنا الإقليمية الغربية على بعد حوالي 7 أميال بحرية شمال شاطئ مرسى بن مهيدي. وأوضح البيان أن العملية جاءت خلال دورية مراقبة وتأمين بالمياه الإقليمية صباح يوم الاثنين 11 ديسمبر 2023 وفي حدود الساعة 08:40.
وتعيدنا هذه العملية إلى حادثة اختراق مماثلة عالجتها المصالح ذاتها مطلع شهر سبتمبر الماضي، انتهت باستخدام القوة النارية تجاه مجموعة مغاربة من راكبي الدراجات المائية، توغلوا في المجال البحري الوطني بسرعة فائقة، قبل أن يواجهوا دوريات المراقبة الوطنية التي اضطرت لإطلاق الرصاص على شخصين رفضا الامتثال لأمر بالتوقف، في منطقة حدودية تعرف نشاطا مكثفا لعصابات تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، حسبما أورده بيان رسمي لوزارة الدفاع الوطني.
وللتغطية على الخلفية الإجرامية لعملية الاختراق، لجأ المخزن كعادته إلى تحريك منصاته وشبكاته التي أطلقت حملات التزييف والتباكي مع الضحايا الذين تبين، حسب بيان لوزارة الدفاع الوطني، أنهم قابلوا تحذيرات دوريات المراقبة بالرفض والتعنت، بل تمادوا في مناوراتهم الخطيرة التي استدعت اللجوء إلى إطلاق نار على دراجة مائية أدى إلى توقف سائقها، فيما قام الآخران بالفرار.
ورغم النهاية المأساوية للمخترقين، إلا أن المجموعة التي ضبطت الأسبوع الماضي لم ترتدع وقامت بعمل مشابه، بنفس الطريقة وفي نفس المنطقة، ما أوقعها في قبضة دوريات القوات البحرية الوطني التي أحالتهم على الجهات المختصة للتحقيق في نشاطهم وأهدافهم.