بعد مخاض عسير، أجريت انتخابات رئاسية غير عادية وفي ظروف استثنائية، أحاط بها القلق والخوف على استقرار الجزائر، ولم لا والعالم بأكمله صوّب أنظاره إلى توقعات بحدوث سيناريوهات مأساوية، لم يكن النجاح حليفا لأصحابها.
انتُخب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد في 12 ديسمبر 2019، ومع انتخابه عُقدت آمال كبير على ما يمكن أن يفعله في ظل أزمة خانقة، زادتها حدة محاولات التدخل الخارجي المراهنة على فشل مهمة الوفاء بالتزاماته الـ54، والابتعاد بالجزائر عن دائرة الخطر، ومن ثم الانطلاق نحو استعادة الاستقرار.
غير أن الظروف لم تكن رحيمة.. إذ غرق العالم في أزمة جائحة كوفيد-19 الصحية التي لم تترك بلدا إلا نكبته.. فكان لتداعياتها الأثر الكبير على مسيرة إعادة البناء المؤسساتي ومحو آثار حقبة قيل ويقال عنها الكثير.
وانتظر الجزائريون عام 2021 ليتنفسوا دون كمامات، ولتعود الحياة تدريجيا إلى مجراها الطبيعي، وتستعيد الحكومة زمام المبادرة لاستكمال المسار الانتخابي بتجديد المجالس المحلية والبلدية، ويقرر تبون أن تكون 2022 سنة لانطلاقة الاقتصاد الوطني نحو النمو.
وقد تبع ذلك العديد من القرارات، بالرغم من حالة التردد الإداري البيروقراطي التي اعتبرها الرئيس تبون شكلا من أشكال المقاومة للتغيير.. فكان قرار تحسين الرواتب، والأمر بمراجعة القوانين الأساسية لعدد من القطاعات، أهمها التعليم العالي، وقطاع التربية الوطنية (من المرتقب أن يصدر القانون الأساسي الخاص بهذا القطاع الحساس قبل نهاية الشهر الجاري، وهو ما التزم به تبون في عدة مناسبات).
وقبل ذلك، كان الشباب الباحث عن فرص الشغل محط اهتمام، فجرى اعتماد منحة البطالة التي كانت بمثابة طوق نجاة لعشرات الآلاف من الشبان وخريجي الجامعات بشكل خاص، وتلا ذلك تثمينُ منح المتقاعدين، واعتماد زيادة لمنحة فئات ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة، إلى جانب ما اتُّخذ من قرارات تخص الجانب الاجتماعي الذي يعد ركيزة نظام الحكم في البلاد وفاء لمبادئ وبنود بيان اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954.
ولا يمكن طي ملف الجانب الاجتماعي دون التنويه بالمجهودات المبذولة في قطاع السكن. وبحسب قانون المالية لعام 2024، فقد رصدت الحكومة ما لا يقل عن 51% من بنودها لصالح هذا القطاع الذي يعد رافدا من روافد الاستقرار والحفاظ على الأمن القومي، فضلا عن أنه مبدأ دستوري جرى التكريس له في دستور 2020.
اقتصاديا، وبعد سنوات من البيروقراطية المقيتة، استطاع مئات المستثمرين الوطنيين الاستفادة من رخص النشاط وتخليصها من أذرع أخطبوط "المعطلين" و "المفترسين" في مختلف مستويات إدارة القرار الاقتصادي محليا ووطنيا، واعتبرت هذه العملية من أنجح المبادرات التي أعادت بعث عشرات المصانع التابعة للقطاع الخاص، فاتحةً الباب أمام توفير الآلاف من فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة.
ومع كل ما تحقق، لا تزال هناك انتظارات ينتظر أصحابها معالجتها واحتواءها وتحويلها إلى حقائق معيشة لفئات أخرى من المواطنين، بما يؤدي إلى إعادة الاعتبار للطبقة المتوسطة التي تناقصت بفعل سياسات النهب والافتراس خلال الفترة الماضية، دون الأخذ في الحسبان تأثير ذلك على استقرار المجتمع والوطن معا.
ما ينتظره الجزائريون في عام 2024 لا يتجاوز حدود استكمال المشروعات المعلنة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة بمعيشة المواطن الذي هو محور كل السياسات، وفي مقدمتها استمرار تحسين القدرة الشرائية، وتشجيع الاستثمار الوطني المنتج، وتحفيز قطاعات المؤسسات الناشئة والمصغرة على تجسيد مبادراتها بما يمكّن الشباب المبتكر من تبوُّء المكانة اللائقة بهم في محيط اقتصادي يعرف تحولات عميقة ومتسارعة قد لا يمكن رصد وتيرتها، بفعل التحديات والرهانات الإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر على الحركية الاقتصادية.