العلاّمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري (1306هـ/1889م-1385هـ/1965م) أحد أبرز علماء الجزائر المعاصرة دعوة وجهادا، كان واسع المعرفة بالفقه والتشريع وعلوم اللغة والأدب، ترأس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد وفاة مؤسسها العلاّمة عبد الحميد بن باديس، سخّر علمه وقلمه لخدمة أمّته ووطنه وللدفاع عن اللغة العربية.
لقد بذل الإمام محمد البشير الإبراهيمي جهودا كبيرة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، حيث كان من أكثر الشخصيات العربية والإسلامية التزاما بهذه القضية، وإيمانا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، حتى عُدَّ من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في العالم العربي والإسلامي. وقد سافر العديد من الدول العربية والأجنبية للتعريف بالقضية الفلسطينية، وحثّ المسلمين على الدفاع عنها، وتمثلت جهوده في المجالات التالية:
الخطابة والكتابة
لقد كان الإبراهيمي خطيبا مفوها وكاتبا بارعا، وقد استغل هذه الموهبة في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية بين المسلمين والعرب، وحثّهم على دعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني. وقد كتب العديد من المقالات والكتب حول القضية الفلسطينية، منها كتابه الشهير “فلسطين وواجبات العرب والمسلمين”، والذي أوضح فيه حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه. ومن أبرز كتاباته أيضا: “فلسطين قبلة المسلمين”، و”السلام والحرب”، و”الإسلام والدولة اليهودية”.
النشاط السياسي
شارك الإبراهيمي في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية، حيث دافع عن القضية الفلسطينية أمام مختلف القوى السياسية والإعلامية العالمية. كما أسس العديد من الجمعيات والمنظمات التي تدعم القضية الفلسطينية، منها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجمعية العروة الوثقى العالمية.
التواصل مع الحركات الفلسطينية
حرص الإبراهيمي على التواصل مع الحركات الفلسطينية، وتقديم الدعم لها من خلال النصح والمساندة. وقد التقى بالعديد من قادة هذه الحركات، منهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وقد تمثلت إسهاماته في القضية الفلسطينية في: ساهم في تعريف المسلمين والعرب بالقضية الفلسطينية، ونشر الوعي بها. حشد الدعم السياسي والإعلامي الدولي للقضية الفلسطينية، ساعد في تعزيز التضامن العربي والإسلامي مع الشعب الفلسطيني. ساهم في تطوير الخطاب الديني حول القضية الفلسطينية، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.
لقد اتخذت القضية الفلسطينية حيّزا كبيرا لدى الإبراهيمي؛ في أفكاره وبياناته ومواقفه، وفي كتاباته، وخصوصا في جريدة “البصائر” لسان حال جمعية علماء المسلمين الجزائريين؛ حيث تناول القضية من مختلف جوانبها، السياسية والدينية والتاريخية، وقد قام مركز الإعلام العربي بالقاهرة بتجميع هذه البيانات والمقالات في كتاب بعنوان “فلسطين”، وأصدره ضمن سلسلة “كتاب القدس” التي يصدرها المركز.
ومن خلال الرصد الذي قام به مركز الإعلام العربي لمقالات الإبراهيمي وأدبياته عن القضية الفلسطينية في كتاب “فلسطين”؛ نجد أن الكتاب يضم 17 مقالا وتصريحا وبيانا تناولت رؤى الإبراهيمي للقضية الفلسطينية من حيث أهميتها لدى العرب والمسلمين، ومكانتها لديهم، والمطلوب من الأُمة بمختلف أطيافها وشعوبها في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين، والإطار الحضاري الأوسع الذي يحتوي القضية الفلسطينية، وهو الصراع بين الشرق والغرب.
عمل الإمام الإبراهيمي على بيان واجب العرب عموما وأهل شمال إفريقيا والجزائريين خصوصا تجاه القضية الفلسطينية، في أحد خطاباته، حيث يقول: إن الواجب على العرب وفلسطين يتألف من جزأين: المال والرجال، وإن حظوظهم من هذا الواجب متفاوتة بتفاوتهم في القرب والبعد، ودرجات الإمكان وحدود الاستطاعة ووجود المقتضيات وانتقاء الموانع، وإن الذي يستطيعه الشرق العربي هو الواجب كاملا بجزأيه لقرب الصريخ، وتيسر الإمداد... واجب الدول العربية التصميم الذي لا يعرف الهوادة، والاعتزام الذي لا يلتقي بالهوينا، والحسم الذي يقضي على التردد... وواجب زعماء العرب أن يتفقوا في الرأي ولا يختلفوا... وأن يوجهوا بنفوذهم جميع قوى العرب الروحية والمادية جهة واحدة هي فلسطين... وواجب كتاب العرب وشعرائهم وخطبائهم أن يلمسوا مواقع الإحساس ومكامن الشعور من نفوس العرب، وأن يؤججوا نار النخوة والحمية والحفاظ فيها. وواجب شعوب الشرق العربي أن تندفع كالسيل وتصبِّح صهيون وأنصاره بالويل، وأن تبذل لفلسطين ما تملك من أموال وأقوات. والله يمينا بره لو أن هذه القوى -روحيها وماديها- انطلقت من عقالها وتضافرت وتوافرت، لدفنت صهيون ومطامعه وأحلامه الأبد”.
أما عرب الشمال الإفريقي فيرى: “أن عليهم لفلسطين حقا لا تسقطه المعاذير، ولا تقف في طريقه القوانين مهما جارت. هذا الحق هو الإمداد بالمال، ومن أعان بالمال، فقد قام من الواجب بأثقل شطريه. إن فلسطين ليست في حاجة آرائنا، وليست في حاجة رجالنا، فلها من أشبالها وممن والاهم عديد الحصى”.
الجزائر لن تنسى فلسطين
يقول الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى: “يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحا دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير، وفي عنق كل مسلم جزائري لك -يا فلسطين- حق واجب الأداء، وذمام متأكد الرعاية، فإن الذنب ليس ذنبه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه والمرء وداره، والمسلم وقبلته”. “أيظن الظانون أن الجزائر بعراقتها في الإسلام والعروبة تنسى فلسطين، أو تضعها فى غير منزلتها التي وضعها الإسلام من نفسها، لا والله، ويأبى لها ذلك شرف الإسلام ومجد العروبة ووشائج القربى”.