قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إنه "من خلال الاستمرار في توفير الغطاء الدبلوماسي للفظائع في غزة (الولايات المتحدة)، فإن ذلك يشير إلى أن حياة بعض الأشخاص أقل أهمية من حياة الآخرين"، في رد فعلها بعد الفيتو الأمريكي على قرار في مجلس الأمن يطالب "بوقف إنساني لإطلاق النار".
سعت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية، أن تجعل روسيا معزولة وحدها عن العالم، من خلال تحريض الرأي العام العالمي ضدها، لكن الذي حدث أن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد قرار رفضها وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، باستعمالها "الفيتو"، وجدت نفسها وحدها معزولة ضد كل دول العالم التي دعت في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق نار فوري وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
لم ترفض الولايات المتحدة الأمريكية مشروع القرار الذي قدمته مجموعة الـ77 فحسب، بل أدارت ظهرها كليا لصرخة الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريش، الذي استعمل البند 99 من ميثاق الأمم المتحدة للفت أنظار العالم بشأن خطورة الوضعية الإنسانية التي تسببت فيها الحرب الانتقامية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وكانت صرخة غوتيريش مبنية على تقارير ميدانية أرسلتها فروع الهيئة الأممية المتواجدة في غزة، ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية أخطأت في تقدير الموقف ووضعت نفسها في وضعية محرجة إزاء العالم، وهي التي بنت سياستها على رعاية السلام العالمي، بدليل احتضانها مبنى الأمم المتحدة.
فهل تريد واشنطن، بالفيتو المستعمل لرفض الهدنة الإنسانية في غزة، دفع أنطونيو غوتيريش إلى رمي المنشفة، في سياق تنفيذها أوامر تل أبيب التي طالبت بإقالته من منصبه لأنه دعا إلى تطبيق الشرعية الدولية؟ أم أنها تريد بعث رسالة لدول العالم تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية فوق الأمم المتحدة بجمعيتها العامة ومجلس أمنها؟
إن استقالة بعض الموظفين من وزارة الخارجية الأمريكية، على علاقة بالحرب في غزة، والتململ الحاصل وسط الكونغرس والغضب الشعبي المتصاعد في مدنها وشوارعها، تؤشر على أن البيت الأبيض يتصرف بنفس عقلية الرئيس بوش غداة أحداث 11 سبتمبر، وهو الذي حذر من ذلك، وهو ما يعني افتقاد الموقف الأمريكي كل ثوابته وتوازناته وبالشكل الذي جعله يقف وحده ضد كل العالم.
وأعطى الموقف الأمريكي الرافض للهدنة الإنسانية في غزة أكثر من حجة لدعاة إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خصوصا من دول الجنوب، للإسراع في تنفيذ هذه الخطوة، وأقام في المقابل الدليل على المترددين في ذلك، من أن إبقاء الأمور على هذه الحال من شأنه تهديد السلام العالمي في مقتل وزعزعة الاستقرار وتوازنات العلاقات الدولية مع ما لذلك من خطر نشوب حرب عالمية ثالثة تكون أكثر فتكا من سابقاتها، خصوصا أن ما يجري من تطورات في فلسطين قد يؤدي إلى حدوث انفجار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهي منطقة قد تحبس أنفاس العالم.