أبدعت فرقة المسرح الجهوي لبشار في عرضها المسرحي المبهر، "تراب الجنون"، ضمن مهرجان قرطاج للمسرح، حيث نال العرض تجاوبا وإعجابا كبيرا لدى الجمهور والنقاد، خاصة لموضوعها الذي يتطرق إلى قصة لمشاهد الاستغلال البشع للاستعمار للشعوب.
وتمتع جمهور الفن الرابع طيلة ساعة من العرض المسرحي، بإبداع تمثيلي قدمه أعضاء الفرقة، حيث سحبت المسرحية الجمهور إلى ظروف تاريخية في زمن الاستعمار الفرنسي، عبر تجسيد قصة لمجموعة من عمال المناجم يعملون في ظروف غير إنسانية في منجم لاستخراج الفحم على ملك أحد المستوطنين الفرنسيين إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، فيجد العمال أنفسهم مجبرين على الثقة ببعضهم البعض رغم الاختلافات، والاتحاد من أجل مواجهة المصاعب والتغلّب على الشدائد.
وكتب نص المسرحية هشام بوسهلة، وتشارك المسرحية ضمن المسابقة الرسمية للدورة 24 من أيام قرطاج المسرحية، وقال مخرج العمل المسرحي مختار حسين، أن القصة تستند إلى وقائع حقيقية، "قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، كان الأهالي يحفرون عن الملح وصادف أن وجدوا ترابا أسودا فحملوا منه عيّنات إلى شيخ الزاوية فقال لهم إن هذا النوع من التراب هو تراب الجنون وأن الجن يسكن هذه المناطق تحت الأرض التي تكون تربتها سوداء، إلى أن حل الاستعمار الفرنسي بالجزائر واكتشف المستعمر أن هذا النوع من التراب يحتوي على الفحم الحجري، ولذلك ركّز المستعمر المناجم لاستغلال الثروات الشعب الجزائري".
واعتبر مختار حسين أن هذه القصّة التي حدثت في الجزائر "ما هي إلا صورة مصغّرة عن الوضع في إفريقيا حيث تعمد القوى الغربية إلى اليوم إلى نهب ثروات الأفارقة وخيراتهم مقابل استغلالهم الموحش والمفرط في العمل واستعبادهم وتفقيرهم"، إذ على الرغم من أن المسرحية تتناول ظروف قصة تاريخية، إلا أن ارتباطها بموضوع الاستعمار، يجعل منها عرضا مسرحيا متجددا، خاصة وأن نفس مشاهد الاستعمار واستغلال ثروات الشعوب الإفريقية، مازالت مستمرة حتى الآن، حيث تواصل قوى الاستعمار مساعيها لبسط نفوذها على القارة الإفريقية واستغلال خيراتها وثرواتها وإدخال شعوبها في دوامة العنف والصراعات.
وإضافة إلى العرض الفني والأداء المبهر للممثلين الذي صور قبح الاستعمارية في استغلال البشر وتجريده من إنسانيته، نجح فريق المسرحية في تشكيل ديكور جميل وموفق ينسجم مع طبيعة الأحداث في هذا العمل، حيث حضرت فعلا دهاليز المنجم بمختلف مكوناتها من مصابيح وفؤوس وسكة حديدية وعربات لنقل الفحم الحجري، ولم تترك أية تفاصيل للصدفة، وتم الاعتناء بملابس الشخصيات التي بدت رثّة وبالية لتتناسب مع الفضاء حيث الأتربة والغبار يكسوان المكان، إضافة إلى توفيق كبير في استخدام الإضاءة التي تتناسب مع طبيعة العمل في المناجم.