لم يكن تأثير استئناف استيراد السيارات الجديدة مقتصرا على أسعارها، بل امتد حتى وصل أسعار السيارات المستعملة، التي لطالما عرفت ارتفاعا غير مبرر غذته جملة من العوامل؛ في مقدمتها حالة الندرة في المعروض، وطمع السماسرة والمضاربين.
صاحبت بداية انفراج سوق السيارات الجديدة في الجزائر انخفاضا في أسعار المركبات المستعملة أيضا، في وتيرة بدأت معالمها تظهر منذ الإعلان الأول عن منح رخص الاستيراد للوكلاء المعتمدين، وإن كان هذا الخبر قد تم تجاهله من البعض، على خلفية طول أمد غياب السيارات وكثرة وعود رجوعها، فإنّ البعض الآخر استبق الوقت وسارع في بيع سياراته المستعملة، متوقعا انحدار أسعارها.
السيارات الجديدة تقلب المعادلة
بعد دخول أولى شحنات السيارات الجديدة، لاسيما في العمليات الأولى لاستيراد سيارات العلامة الإيطالية "فيات"، ظلت أسعار سوق السيارات المستعملة صامدة، أو تحاول الصمود بدفع من وسطاء وسماسرة ما فتئوا يستفيدون من وضعية ندرة السيارات وغياب المنافسة والخيارات.
هذه الوضعية لم تستمر طويلا على إثر دخول السيارات الصيّنية، علامتي "شيري" و"جيلي"، اللتان رفعتا سقف المنافسة عاليا، خاصة بعد الكشف عن أسعار أقل من 200 مليون سنتيم، كانت هذه الأسعار إلى الأمس القريب غير قادرة على تحقيق حلم مواطن في اقتناء سيارة عادية بمواصفات محترمة، تضاف إليها تشكيلة مجموعة "ستلانتيس" وعلامة "أوبل".
نشاط السماسرة نحو الاندثار
لجأ الكثير من السماسرة والوسطاء، الذين جعلوا من حالة السوق "الاستثنائية" حرفة للاغتناء، انعكست جليًا على مستويات الأسعار الخيالية التي لم تجد مبررا لها سوى في الطمع والربح السريع، وانعدام خيارات أخرى لشراء سيارات، حيث شهد سوق السيارات الجزائري ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار، بلغ الضعف وأكثر، دفع الكثير من المواطنين إلى استعمال مختلف السبل لاستيراد السيارات من الخارج، على غرار دبي، بدلا من الوقوع ضحية لهذه الممارسات.
وللحفاظ على هذه المكاسب، التي أضحت "غير شرعية"، لم يدخر هؤلاء السماسرة جهدًا للتشكيك في إمكانية توفر القدر الكافي من السيارات الجديدة تارة، وأخرى بجودة ونوعية السيارات الصينية، مستندين في ذلك على عدم معرفة الزبون الجزائري بهذا النوع من المحركات أو العلامات.
ويبدو أن كل هذه المحاولات لم تجد آذانا صاغية، إذ بمجرد فتح أولى نقاط وفضاءات البيع أبوابها حتى اكتظت بالزبائن المتعطشين لاقتناء سيارة جديدة، ضاربين عرض الحائط كل محاولات التشكيك والتخويف.
أسعار في اتجاه الأسفل
تعرف أسعار السيارات المستعملة، خلال الأيام القليلة الماضية، تراجعا بوتيرة متسارعة، أشبه ما يكون بوتيرته المتصاعدة فترة ندرة السيارات وغياب عمليات الاستيراد التي دامت قرابة 5 سنوات، حيث وقفت "الخبر" على "ظاهرة" انهيار أسعارها التي لم تسلم منه أي سوق أسبوعي في أي منطقة من مناطق الوطن كان.
وانخفضت، تبعا لذلك، أسعار السيارات بمعدلات تتراوح ما بين 30 مليون سنتيم إلى قرابة 100 مليون سنتيم للسيارات الغالية، فضلا عن ركود شبه تام لمعاملات البيع والشراء، حيث يفضل الكثير من الزبائن انتظار ما ستستقر عنه الأسعار بعد ضبط السوق وعودة عمليات الاستيراد إلى وضعيتها الطبيعية، خاصة أنّ جُل المؤشرات تتجه نحو دخول علامات أوروبية وآسيوية جديدة السوق الوطنية، بداية من العام الداخل، موازاة مع ترقب إنتاج أولى السيارات من المصانع المحلية التي ستصاحبها فتح باب الاستفادة من القروض البنكية لشرائها بالتقسيط، باعتبارها منتجات جزائرية الصنع، الأمر الذي يوفر خيارات أوسع للمواطنين باختلاف فيئاتهم، ومداخيلهم وقدرتهم الشرائية.
سيارة بـ 70 مليونا ممكن
على إثر هذا التراجع في أسعار السيارات المستعملة على مستوى مختلف الأسواق الأسبوعية الوطنية المتخصصة، وبروز أسعار تقترب من المعقول، أضحى من الممكن للمواطنين من ذوي الدخل المتواضع اقتناء سيارة كانت مستحيلة قبل وقت ليس ببعيد، حيث نزلت أثمان المركبات، التي كانت تعتبر رخيصة، من 100 و110 مليون سنتيم إلى حدود 70 و80 مليونا.
هذه الوضعية فتحت مجال الخيار بالنسبة لهذه الفئة من المواطنين، وأعادت معاملات بيع وشراء السيارات المستعملة نوعا من المنطق، إذ لا يعقل أن يكون ثمن سيارة جديدة بكل ما تقترحه من ميزات ومزايا، وما توفره من فترات ضمان طويلة كثمن سيارة قديمة وصل مؤشر سيرها إلى مئات الكيلومترات، بصرف النظر عن حالتها ووضعية القطع الغيار والأجزاء المستهلكة بشكل دوري.