38serv
عندما دعا أنريكو ماسياس من على بلاطو قناة تلفزيونية فرنسية إلى "القضاء كليا" على السياسيين الفرنسيين (تيار اليسار) الذين لا يشاطرونه رأيه الداعم للكيان المحتل، لم نسمع لا احتجاجا ضده ولا وجه له اتهام بالتحريض على القتل ولا هم يحزنون، ولكن عندما يقوم اللاعب الدولي الجزائري ولاعب نادي نيس الفرنسي، يوسف عطال، بتوزيع مقطع فيديو على إنستغرام تقوم القيامة عليه وينعت بكل النعوت وتشن عليه حملة كراهية وعنصرية في وسائل إعلام رسمية، وفوق كل ذلك يجد نفسه يجر جرا إلى المحاكم بتهمة "التحريض على الكراهية".
ما شهدناه عن التحريض على الكراهية في القنوات التلفزيونية الفرنسية، بما فيها العمومية، وما سمعناه وقرأناه في وسائل إعلامها المكتوبة والمسموعة من عنصرية مقيتة ومن تحريض على القتل إزاء العرب والمهاجرين، لا يترك أدنى شك بأنه إذا كان واجب تحقيق العدل وإظهار الحقيقة فإن يوسف عطال يفترض أن يقف في آخر الطابور من الذين مطلوب محاكمتهم، ولكنه يوجد اليوم في مقدمتهم، بل والوحيد الذي سيدخل أروقة المحكمة، وفي ذلك ليس ازدواجية معايير فحسب، بل هو انتقام أعمى للنيل من شهرة اللاعب ومصداقيته وشيطنته لدى الرأي العام، وليس بأي شكل من الأشكال البحث عن العدالة وإظهار الحقيقة.
ومادام الأمر يسير بمثل هذه المعايير المزدوجة، حتى في جانب العدالة، فلا يجب بأي حال من الأحوال أن يكون يوسف عطال قربانا لإشباع رغبة اللوبي الصهيوني العنصري في الانتقام لهزيمته التي مني بها وسط الرأي العام العالمي، وخدمة ما بعد البيع لليمين المتطرف الذي يزحف على بطنه، متنكرا للشرعية الدولية بين المحتل والضحية، فقط لكسب أصوات ذلك اللوبي الانتخابية.
لا تحتاج الصورة إلى صورة أخرى لتوضيح هذا الفيلم العنصري، فالذي يتعرض له يوسف عطال ليس سوى محاولة تدفيعه جرما لم يرتكبه ومعاقبته ظلما وطغيانا لتخويف نجوم الكرة الآخرين به وردعهم عن تسجيل المواقف حتى في الأمور الإنسانية، لأن فرنسا الرسمية والسياسية حريصة على عدم المساس بـ"المشاعر الرهيفة" للكيان المحتل وليس على حرية التعبير المستعملة فقط لـ"الدعاية" الاستهلاكية.
عطال لست وحدك ولن تكون وحدك في هذه "الحڤرة" مكتملة الأركان، ليس لأننا نرفض القانون والعدالة وإنما لأننا ضد العدالة "الانتقائية" وضد الكيل بمكيالين في السكوت عن الجلاد ومحاسبة الضحية.
فشكرا لك يوسف لأنك كشفت للرأي العام الوطني والدولي، مرة أخرى، عن وجوه وأسماء وساسة وتيارات حزبية تأبى أن "تتطهر" من براثن فكرها الكولونيالي، وأظهرتها على حقيقتها بأنها كانت تغطي نفسها بمساحيق الماكياج فقط، حتى لا يظهر قبحها وعورتها للإنسانية.
ومهما كان حكم العدالة الانتقائية فهو بمثابة نياشين مرصعة في صدرك، فأنت لم تسط على بنك عمومي ولم تتهرب من دفع الضريبة المالية ولم تنهب خزينة البلدية (نيس) ولم تتورط في الفساد والمعاصي الأخلاقية، مثلما يفعل جلادوك، وإنما دافعت عن قضية يروها هم تحريضا على الكراهية، متنكرين للقيم الإنسانية، ونراها نحن قضية مركزية وتعديا على الشرعية الدولية.