"لا تنازل عن أملاك قادة وشهداء المقاومة الشعبية"

+ -

انتهى اجتماع اللجنة المشتركة حول الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، أول أمس بمدينة قسنطينة، بتفاهمات غير نهائية، مع إرجاء بقية الملفات إلى الاجتماع القادم المرتقب بفرنسا بعد شهرين.

خلال اجتماع قسنطينة الذي دام 6 ساعات، استعرض فريق المؤرخين الجزائريين ونظرائهم الفرنسيين، لجنة "5+5"، تفاصيل المسائل التي لا تزال عالقة وتشكل عقبة أمام إحراز أي تقدم، لاعتبارات تختص بها السلطات السياسية في البلدين.

وما يهمّ الفريق الجزائري هو فتح الملفات التي تعتبرها فرنسا من الطابوهات التي يجب تجاوزها لعدم جدواها في بناء علاقات قوية في المستقبل، ويتذرع الفريق الفرنسي بعدم وجود قوانين تسمح بالتطرق إليها والفصل فيها، مثلما هو الحال بالنسبة إلى ملف مقتنيات وممتلكات قادة وشهداء المقاومة، والتي جرى نهبها وتحويلها إلى فرنسا، لتستقر عند عائلات أو متاحف فرنسية.

وبحسب أصداء من الاجتماع، جرى التأكيد من جانب الفريق الجزائري على ضرورة تسليم الأرشيف الجزائري المحول إلى فرنسا قبيل استقلال الجزائر، وسرى تفاهم بين الجانبين على تسليم أكثر من مليوني وثيقة أرشيفية مرقمنة، إضافة إلى تسهيل الوصول والاطلاع على الأرشيف أمام الباحثين الجزائريين.

أيضا من الملفات الشائكة التي لا يزال النقاش حولها محتدما داخل اللجنة ومن الجانبين، ملف استكمال عملية استرجاع رفات وجماجم المقاومين الجزائريين إبان الثورات الشعبية ما بعد احتلال مدينة الجزائر، إضافة إلى تسليم الجانب الفرنسي الممتلكات التي تعود إلى أعيان وقادة الثورات والمقاومين، والتي نهبت ونقلت إلى فرنسا على مراحل، واعتبرت تراثا فرنسيا، وتصنيفها في خانة غنائم حرب أو هدايا أو ممتلكات جرى اقتناؤها.

ومن أبرز المطالب الجزائرية في هذا الملف، ممتلكات الأمير عبد القادر، وخاصة الأوسمة "بروش" وسيفه، وإن تحجج الجانب الفرنسي بأنها مصنفة كهدية من أقارب الأمير، وأنه يصعب تسليمها، وغيرها من ممتلكات أشخاص جزائريين آخرين، تحت ذريعة غياب قوانين تسمح بذلك لحد الآن، وإن ألمح أعضاء الوفد الفرنسي إلى مساعٍ تُبذل على مستوى الحكومة والبرلمان الفرنسيين لإصدار قانون يسمح بإعادة الممتلكات والتحف المنهوبة إلى حكومات المستعمرات الفرنسية سابقا، ومن بينها الجزائر.

ويسعى الجانب الجزائري إلى تفادي تكرار سيناريو الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي بين 1830 و1962، والذي يجري على جرعات متباعدة.

كما تضمنت الورقة الجزائرية مطلب إدراج مسألة استعمال الاحتلال الفرنسي للأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا في إبادة المقاومين والمدنيين العزل الجزائريين، مثلما هو الحال في مجازر الأغواط عام 1852، وهو العام الذي عُرف عند سكان المنطقة بعام "الشكاير" وعام "الخلية"، حيث أبيد الجزائريون بغاز "الكلوروفورم" المحظور دوليا، بالإضافة إلى ملف التجارب الكيميائية في منطقة وادي الناموس ببشار، وأيضا "النابالم" والغازات السامة إبان ثورة التحرير الوطني.

ولم يغفل فريق المؤرخين الجزائريين التطرق إلى مسألة لا تقل أهمية وحساسية هي مسألة المفقودين الجزائريين، وفي مقدمتهم رموز وقادة الثورة الذين أخفى الاستعمار الفرنسي جثامينهم، مثلما هو الحال بالنسبة للعقيد سي امحمد بوڤرة، والعلامة الشيخ العربي التبسي، والعربي بن مهيدي، إضافة إلى العشرات إن لم يكن المئات من الجزائريين الذين لا يعرف أحد مصيرهم إلى اليوم.

ويستغل الساسة الفرنسيون ملف الذاكرة لأغراض سياسوية وللتموقع الانتخابي، وضمن مسار الحركة السياسية التي تعرفها فرنسا بعد إخفاقات كثيرة على المستوى الاقتصادي، والممارسة السياسية، وانقسامات خطيرة في الرأي العام الفرنسي، تظهر جليا نقاشات البرلمان حول الفشل الاقتصادي ومواقف الكيل بمكيالين تجاه الأوضاع في أوروبا والمنطقة المغاربية والعربية.