+ -

دون امتناع ولا اعتراض ولا مرشح منافس، انتهت أشغال المؤتمر الحادي عشر لحزب جبهة التحرير بإفراز أمين عام ولجنة مركزية جديدين، مخلفة الكثير من الأسئلة حول خلفيات عملية الغربلة التي طالت عشرات المندوبين في ربع الساعة الأخير، بعدما اعتقدوا أنهم حسموا مسألة العضوية ببلوغهم مرحلة المؤتمر، وأيضا طبيعة تشكيلة المكتب السياسي التي يعد تعيينها من صلاحيات الأمين العام. كانت كل الترتيبات قبيل انطلاق المؤتمر الحادي عشر بأيام معدودات مضبوطة بدقة.. محيط الأمين العام السابق أبو الفضل بعجي يتحدث عن الاستمرارية والمندوبون القادمون خططوا بما لا يدع مجالا للصدفة لاكتساب عضوية في اللجنة المركزية، تمنح لهم الصلاحيات والسلطات في المحافظات والقسمات وخلال الترشيحات في المناسبات الانتخابية، إضافة إلى هيلمانها السياسي وما توفره من احتكاك واختلاط بالقيادات الفاعلة والمؤثرة في الحزب.

بالموازاة مع هذا المشهد راح مشهد جديد يتشكل في الربع ساعة الأخير أيضا، قبيل وخلال المؤتمر وبالضبط على مستوى لجنة الترشيحات واللجنة المكلفة بالقانون الأساسي، اللتين أجريتا عملية جراحية عميقة على اللجنة المركزية المحتلمة واستبعدتا كل مندوب يفتقر إلى شهادة جامعية أو سبق أن شغل المنصب لعهدتين، عملا، حسب ما تسرب من القاعات المغلقة، بأحكام القانون الأساسي وأيضا بالقانون غير المكتوب، لتحدث الصدمة الكبيرة غير المتوقعة.

ورغم الغربلة الشاملة على مستوى الثلثين المنتخبين من قبل المندوبين، إلا أن ثمة أسماء أفلتت في هذا الزحام من الغربال واستطاعت افتكاك عضوية في الهيئة، متجاوزة كل التحديات والقيود الموضوعة، ما أحدث جدلا وشكوكا وسط مندوبي الولايات المعنية بالظاهرة، في حين ظل ما يسمى بالقائمة الوطنية المعينة التي تشكل ثلث اللجنة محل تساؤلات، ليس فقط بشأن طبيعة أسمائها وإنما بخصوص من عينها، علما أنها من صلاحيات الأمين العام للحزب على حد ما هو معروف لدى المتابعين والصحفيين.

هذا الفراغ الذي تركته عملية التطهير الشامل التي أصابت هؤلاء القوم صار فسحة لمندوبي الولايات الذين جاؤوا شكليا فقط للتزكية أو على أقصى تقدير الجلوس في دكة الاحتياط في حالات الوفاة، لا قدر الله، ثم العودة إلى الديار، قبل أن يجدوا أنفسهم مرشحين ولاعبين أساسيين وفيما بعد أعضاء للجنة المركزية، في سيناريو غريب لم يكن أكبر المتفائلين منهم يتصوره أو يتخيله، وثمة حالات عديدة عاينتها وتحدثت إليها "الخبر" عاشت هذه التحولات الجذرية. 

ولوحظ في اللجنة انخفاض الرقم إلى 339 بعدما كانت تركيبتها تفوق 450 عضو في الأعوام الماضية، إلى جانب تشكل مزيج وخليط بين أسماء الجيل الجديد والحرس القديم، على غرار صادق بوڤطاية ورشيد حراوبية ومحمد مساعدية وكمال بوشامة وقمامة أحمد وغيرهم من القيادات التقليدية للجبهة، في حين اختفت أسماء كانت محسوبة على المعارضة، على غرار القياديين السابقين حسين خلدون وعلي مرابط وغيرهم كثير من قطب المعارضين لسياسة بعجي في الحزب، ممن برزوا أكثر خلال انعقاد آخر دورة للجنة المركزية قبل المؤتمر.

وكان يتوقع أن تكون هذه الأسماء ضمن التشكيلة الجديدة، على اعتبار أنها عانت الإقصاء من قبل الأمين العام السابق، غير أنه يبدو أنها متواجدة في رواق ثالث وجرت الرياح في غير اتجاهها.

ولم يجب الحدث على كل الأسئلة والتكهنات حول طبيعة المرحلة، بالرغم من أن عدة مؤشرات ووقائع وإجراءات أوضحت نسبيا معالم المشهد وبينت أن ثمة تسويات وضمانات جرت في الحديقة الخلفية للحزب، على غرار الإبقاء على عدة أسماء من القيادة السابقة في اللجنة المركزية، في مسعى يوحي على ما يبدو بوجود إرادة وأد احتمالات تشكل قطب معارضة جديد، ليظل السؤال المركزي مطروحا بشأن الظهور المفاجئ لوزير العدل، عبد الرشيد طبي، واكتسابه عضوية في اللجنة وخلفيات هذا التحرك.