+ -

قدمت حرب أوكرانيا، مجموعة كبيرة من الدروس العسكرية وغيّرت الكثير من المفاهيم، لدرجة أن جيوش عدة تعمل الآن على تعديل وسائلها القتالية وأسلحتها لكي تتلاءم مع طبيعة المعارك في حروب المستقبل، لكن عملية "طوفان الأقصى" قلبت الموازين وجعلت جنرالات في أوروبا وأمريكا يتابعون كما يتابع التلاميذ درسا أو محاضرة.

بينما قدّمت حرب أوكرانيا المتواصلة إلى اليوم، مجموعة من الدروس لجيوش العالم، أبرزها أهمية سلاح المدفعية في حسم المعارك ودور الطائرات بدون طيار في كسر أي سيطرة جوية، دمرت حرب غزة الدائرة حاليا أسطورتين اثنتين، الأولى هي أسطورة الجيش الصهيوني، والثانية هي أسطورة السلاح الأمريكي، فقد قاتل المجاهدون الفلسطينيون بأسلحة 90 بالمئة منها روسية أو شرقية أو أسلحة تم تطويرها على قاعدة أسلحة روسية وشرقية ضد أحدث الأسلحة الأمريكية وأكثرها تطورا. ففي الأشهر الأولى من حرب أوكرانيا، تحدّث عشرات الخبراء الغربيين والصحفيين المتخصصين في الشأن العسكري والتسليح، عن "عجز السلاح الروسي".

وتختلف الأسلحة الروسية عن نظيرتها الأمريكية، جاءت حرب غزة لتؤكد أن كل منظومة التجسس الأمريكية الموجودة بيد إسرائيل عديمة الفاعلية والجدوى، كما أن أفضل الأسلحة الأمريكية وأكثرها تطورا، لم تمنع انهيار الجيش الصهيوني في ساعات قليلة، وهذا يفسر استنفار الولايات المتحدة الأمريكية ليس لنجدة إسرائيل، بل لإثبات فاعلية السلاح الأمريكي. ورغم هذا لم تنجح إسرائيل إلا في قتل آلاف الأطفال والنساء ومثلهم من المدنيين الأبرياء بالقنابل "الذكية".

الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة ستؤدي إلى تغيير جذري في أنظمة التسليح وطرق تدريب القوات، والأهم من كل هذا كيفية التجسس وأساليب عمل المخابرات التي ركّزت كثيرا على التكنولوجيا وغفلت عن العنصر البشري.

في الأيام الأولى بعد 07 أكتوبر 2023، تفقّد جنرال أمريكي المواقع الإسرائيلية في محيط غلاف غزة، وزار مواقع عسكرية صهيونية هاجمها مقاتلو حركة حماس، وتساءل وهو مذهول كما قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية "كيف نجحوا في تنفيذ هذه العملية"، وأضافت أن الجنرال الأمريكي المتقاعد جراهام هنري قال "إن تنفيذ مثل هذا الهجوم يحتاج لـ 10 آلاف مقاتل مدرب جيدا، ولا يمكنني تصديق أن هذه العملية تم تنفيذها بأقل من 2000 مقاتل، وحتى مع توفّر عنصر المفاجأة".

وبينما يتواصل القتال بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني داخل قطاع غزة، يدرس كبار خبراء العلوم العسكرية، عملية "طوفان الأقصى" التي كشفت انهيار الجيش الصهيوني في أقل من 06 ساعات على يد أقل من 1500 مقاتل مدرب من كتائب القسام الفلسطينية، لدرجة أن جنرالا أمريكيا كبيرا قال إن العملية العسكرية الفلسطينية الجريئة التي تم تنفيذها يوم 07 أكتوبر 2023، ستدرّس في المعاهد والأكاديميات العليا في جيوش العالم. وقال الجنرال ديفيد بتريوس القائد العسكري الأمريكي الكبير الذي شارك في حرب غزو العراق 2003، إنه من المستحيل تصوّر نجاح مثل هذه العملية العسكرية بهذا الشكل، بينما قال الجنرال المتقاعد جيمس سبايدر "إن ما شاهده في الفيديوهات المتوفرة حول العملية العسكرية التي تم تنفيذها من قبل الفلسطينيين في يوم 2023، يظهر مقاتلين من قوات خاصة تتفوق على القوات الخاصة في الكثير من الدول". وتساءل "كيف تدرّب هؤلاء دون أن يتم كشف تدريباتهم المكثفة"، فيما تحدّثت صحف يابانية وكورية جنوبية عن مخاوف من احتمال إقدام كوريا الشمالية على تنفيذ غزو شامل لكوريا الجنوبية بنفس الأسلوب الذي اعتمدته كتائب عز الدين القسام في هجوم يوم 07 أكتوبر".

وقال الجنرال اللبناني المتقاعد، مشيل الصغير "أنا متأكد بأن كتيبات التدريب في الجيش الأمريكي والجيش الروسي ستخصّص في أغلب أجزائها للدروس المستفادة من حرب "طوفان الأقصى" وبراعة المقاتل الفلسطيني الذي أسقط أسطورة الجيش الإسرائيلي والتكتيكات العسكرية التي تم اتباعها في العملية البطولية"، وبينما علّقت صحف كثيرة على زيارة ممثلين عن حركة حماس الفلسطينية للعاصمة الروسية موسكو قبل أيام وتحدّثت عن وساطة روسية لوقف الحرب، وصف خبير عسكري إيراني شهير الزيارة قائلا "لم يخف الخبراء العسكريون الروس الإعجاب الشديد بعملية "طوفان الأقصى" وكيف نجحت "كتائب القسام" في اقتحام مواقع عسكرية إسرائيلية وتدميرها وأسر العشرات من الجنود والضباط الإسرائيليين، بقوة عسكرية بسيطة لم يتوفر لها أي غطاء جوي، وأظن أن الروس سيطرحون الكثير من الأسئلة حول الخطة الجريئة التي نفّذتها كتائب القسام في غلاف غزة وكشفت عجز الجيش الإسرائيلي". وأضاف الخبير العسكري الإيراني، العميد بارق رجائي، "أن المواجهة الحالية في الأراضي الفلسطينية ستغيّر بشكل جذري شكل الحروب في العقود القادمة، لقد أثبتت أنه يمكن بالتدريب والابتكار التغلب على أقوى الجيوش في العالم، وأنه يمكن التغلّب بسهولة على جيوش تعتمد على قوات جوية كبيرة وأنظمة التجسس الأكثر تطورا والأقمار الصناعية".