تأييد متتال للمسؤولين الأمريكيين لمقاربات الجزائر

38serv

+ -

توّج الحراك الدبلوماسي للجزائر، بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بتعزيز التوافق مع واشنطن في بعض المسائل الإقليمية. فمن خلال سلسلة اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية أحمد عطاف مع دبلوماسيين كبار في نيويورك تأكد أكثر الدعم الأمريكي للرؤية الجزائرية لتسوية سلمية لتبعات الانقلاب العسكري في النيجر، كما أبدى الجانب الأمريكي أيضا اهتماما كبيرا بمبادرة الجزائر ومساعيها للمصالحة والسلم في مالي، وهما ملفان يشكلان أولوية أمنية قصوى للجزائر ويؤشران على عمل مشترك مع واشنطن لمواجهة هذه التحديات.

تحادث الوزير عطاف، على هامش مشاركته في أشغال الشق الوزاري للدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مع وفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى، بقيادة نائبة كاتب الدولة، فكتوريا نولاند، ضم أيضا كلا من مساعدة كاتب الدولة لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، ومساعدة كاتب الدولة لشؤون المنظمات الدولية، ميشيل سيسون، ومساعدة كاتب الدولة المكلفة بالشؤون الإفريقية، كاثرين في، تمحورت حول تطورات الأزمة في النيجر وآفاق تعزيز الجهود الدبلوماسية على ضوء مبادرة الحل السلمي التي تقدم بها الرئيس عبد المجيد تبون. كما تم التطرق إلى "تطورات الأزمة في مالي وسبل تكثيف المساعي لتهدئة الأوضاع وتمكين الأطراف المالية من استئناف تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر".

واستقبل عطاف في إطار نشاطه المكثف بنيويورك، أول أمس، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية وممثلتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، وتم الحديث عن انسجام الرؤى تجاه مسائل السلم والأمن الدوليين في المنطقة.

ومن شأن هذا التوافق أن يدفع في قادم الأيام بالمبادرات الجزائرية لحل أزمتي النيجر ومالي وتجنيب المنطقة مزيدا من التمزق والفوضى التي ستلقي بتبعاتها على أمن واستقرار الساحل الذي يشكل عمقا استراتيجيا لبلادنا. ففيما يتعلق بهاذين البلدين أعلن عن اتفاق مبدئي على رفض التدخل العسكري في النيجر، حيث اتفق الجانبان في كل مناسبة على توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب الذي برز بشكل غير مسبوق مؤخرا بفعل الانقلابات والتناحر الداخلي بكل من نيامي وباماكو.

وتلتقي الجزائر مع واشنطن في الساحل، حسبما ذكره عطاف الشهر الماضي لصحيفة "واشنطن بوست" على هامش جولة الحوار الإستراتيجي بين البلدين الشهر الماضي، على مبادئ رئيسية هي: احترام النظام الدستوري والديمقراطي واستمرار إعطاء الأولوية لحل النزاع بعيدا عن التدخل العسكري، وهي خلاصة ما تم الاتفاق عليه بعدما ناقش عطاف مع نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن والمسؤولين الأمريكيين قضية النيجر.

ويؤخذ في الحسبان ما أظهرته المكالمة التي أجراها رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنڤريحة، مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، من توافق ثنائي حول مسائل الأمن وأزمات الساحل، فالجانبان أعربا عن رغبتهما المشتركة في تعزيز التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية، وهي نقطة التقاطع الأبرز مع واشنطن في ظل ترقب حوار استراتيجي هذا الخريف. في البيان غير المسبوق الذي نشرته وزارة الدفاع الوطني مطلع الشهر الجاري عبّر الفريق أول شنڤريحة والمسؤول الأمريكي "عن إرادتهما المشتركة على تعزيز أواصر التعاون والتنسيق بين البلدين في المجال الأمني، كما كانت المحادثات فرصة للجانبين للتعبير عن ارتياحهما لمستوى التنسيق الأمني المحقق، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب".

ويلاحظ أن الاتصال الهاتفي تزامن مع تطورات إقليمية بالغة الخطورة، خاصة مع سلسلة الانقلابات العسكرية بدول الجوار التي شهدت موجات من الرفض والحركات المناهضة للتواجد الفرنسي الذي بدأ يفقد مواقع تقليدية له في المنطقة وتجدد الصراعات العرقية والهجمات الإرهابية وتوغل لاعبين جدد في المنطقة، وهم مجموعات فاغنر الروسية ومحاولات صينية للعب أدوار وساطة.

وأظهر المسؤولون الأمريكيون، على التوالي، حرصا على رفع درجة التنسيق مع الجزائر، وفي ذلك، حسب مراقبين، مصلحة للجانبين لمواجهة عدة تحديات في منطقة شاسعة وإستراتيجية محاطة بتحولات ومخاطر عميقة ذات تأثير مباشر على مصالح البلدين. فمنحى الاضطرابات عاد بشكل مقلق في الجارة الجنوبية مالي، تضاف إليها التوترات التي خلفها الانقلاب على الرئيس محمد بازوم في النيجر وعودة المخاوف من انهيار أمني في ليبيا، ناهيك عن الاضطرابات التي تشهدها تشاد وعودة الهواجس الأمنية في بوركينافاسو.

وبدا واضحا أن واشنطن تعول على دور إقليمي أوسع للجزائر في محيطها، بما يعطي دفعا لمبادراتها السياسية لحل أزمات المنطقة، آخرها أزمة النيجر وعموم المنطقة التي تشهد منذ أكثر من 10 سنوات انفلاتا أمنيا واضطرابات مزمنة تضاعف من تحديات البلدين معا وتجعلهما بحاجة إلى تعزيز التعاون الثنائي القائم على استغلال رؤية الجزائر وتجربتها في مواجهة مختلف التهديدات، أبرزها التطرف العنيف والإرهاب والجرائم العابرة للحدود والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وغيرها من التهديدات التي أضحت هاجسا يهدّد أمن المنطقة واستقرارها ويخل بمقاربة الجزائر القائمة على ثنائية "الأمن والتنمية" في القارة. ومؤخرا توطد التنسيق في المسائل الأمنية بشكل غير مسبوق مع الجانب الأمريكي، ما دفع مراقبين إلى تأكيد الدور المحوري للجزائر في المنطقة وتجلى ذلك من خلال تصريحات مسؤولين أمريكيين، حيث حضر التنسيق الثنائي بقوة خلال جولة الحوار الإستراتيجي بين الجانبين خلال زيارة أحمد عطاف الأخيرة إلى واشنطن شهر أوت وتأكيده أن اللجنة المكلفة بملفات التعاون الأمني قد تمكنت من عقد 10 جلسات.

وعلى مر سنتين كاملتين، شكلت الجزائر محطة لزيارات مسؤولين أمنيين أمريكيين بارزين، منهم منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، بريت ماكغورك، والمساعدة الرئيسية لنائبة كاتب الدولة للشؤون الخارجية، يائيل لومبرت، اللذين تباحثا مع الرئيس تبون ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنڤريحة التعاون العسكري وقضايا المنطقة.

وبعد ذلك، زار وفد أمريكي مشترك من كبار المسؤولين من وزارات الخارجية والخزانة والدفاع الجزائر والتقوا بأرفع مسؤولي الدولة، مؤكدين تعزيز الأهداف الإقليمية المشتركة لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار.

وفي الشأن ذاته، أكد نائب كاتب الدولة للخارجية الأمريكية مكلف بشمال إفريقيا، جوشوا هاريس، في حوار مع "الخبر" نهاية الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة والجزائر تجريان حوارا واسعا وناضجا للغاية حول الأمن، بما في ذلك بخصوص منطقة الساحل، مبرزا مجموعة عاجلة من التحديات، بما في ذلك في النيجر. ومما أشار إليه هاريس أن المحادثات بين الجزائر والولايات المتحدة "ذات أهمية حيوية"، مبرزا أن بلاده "تقدر بشدة صوت الجزائر الداعم للأمن في هذه المنطقة". وقال المسؤول الأمريكي "إن صوت الجزائر يمكن أن يساعد في دفع هذه القضايا إلى الأمام".

وتقر واشنطن، حسبما جاء على لسان مسؤولين أمريكيين بمختلف مستوياتهم، بأن الجزائر تقدم "رؤية مدروسة للغاية في المنطقة"، كما تعتبر "أيضا أن رؤية الجزائر للتنمية الإقليمية مقنعة للغاية".