ضرب الجيل الفريد، خير القرون، أروع الأمثلة، وأجمل الصور في حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وصدقوا اللّه ما عاهدوه، من نُصرة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فرضي اللّه عنهم وأرضاهم. وهذه مجموعة من المواقف والأحداث الّتي تكشف لك حبّ أصحاب رسول اللّه لنبيِّهم عليه الصّلاة والسّلام، ومدى ما قدّموه من بذل للأنفس والأموال والأوقات، فمِن تلك المواقف الرائعة: أنّ كفار قريش لمّا وضعوا خُبيبًا رضي اللّه عنه على الخشبة ونادوه يناشدونه: أتُحِبّ أنّ محمّدًا مكانك؟ قال: ”لا واللّه ما أحبّ أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه، فضحكوا منه”.وترَّس أبو دجانة يوم أحد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرّك. ومصَّ مالك الخدري جرح رسول اللّه حتّى أنقاه، فقال له رسول اللّه: ”مجه، قال: واللّه ما أمجه أبدًا”.وهذا زيد بن ثابت رضي اللّه عنه يقول: بعثني رسول اللّه يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: إن رأيتَه فأقرئه منّي السّلام، وقُل له: يقول لك رسول اللّه: كيف تجدك؟ قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأتيتُه وهو بآخر رمق، وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم، فقلت: يا سعد، إنّ رسول اللّه يقرئك السّلام ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال: على رسول اللّه السّلام، قل له: يا رسول اللّه إنّي أجد ريح الجنّة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند اللّه إن خُلِصَ إلى رسول اللّه، وفيكم عين تَطْرِفُ، وفاضت روحه رضي اللّه عنه”.وهذا عروة بن مسعود الثقفي يجسّد لنا مدى محبّة أصحاب رسول اللّه لأصحابه، وهو الرجل الّذي وفد على الكثير من الملوك، فيقول في ذلك: ”أي قوم، واللّه لقد وَفَدْتُ على الملوك، على كسرى وقيصر والنّجاشي، واللّه ما رأيتُ ملكًا يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحابُ محمّدٍ محمّدًا، واللّه إن تنخم نُخامة إلاّ وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدُّون إليه النّظر تعظيمًا له”.وعن عائشة رضي اللّه عنها أنّه لمّا اجتمع أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً (في بداية الدّعوة)، ألحّ أبو بكر رضي اللّه عنه على رسول اللّه في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنّا قليل، فلم يزل أبو بكر يلح حتّى ظهر رسول اللّه، وقام أبو بكر في النّاس خطيبًا، فثار المشركون عليه وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي المسجد، ودنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرِّفهما لوجهه، حتّى ما يعرف وجهه من أنفه، ومع ذلك كان يسأل ويقول: ما فعل رسول اللّه؟ ثمّ قال: للّه عليَّ أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فحمل على حاله تلك حتّى أُدخل على رسول اللّه، فأكبّ عليه رسول اللّه يُقبِّله، ورقَّ له رقّة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي وأمّي يا رسول اللّه، ليس بي بأس إلاّ ما نال الفاسق عتبة من وجهي، وهذه أمّي، وأنت مبارك فادعها إلى اللّه، وادع اللّه لها، عسَى اللّه أن يستنقذها بك من النّار، فدعَا لها رسول اللّه، ودعاها إلى اللّه، فأسلمت”.ولم يكن هذا التّفاني، وذاك الحبّ خاصًّا بالرّجال فحسب، بل حتّى النّساء ضربن أروع الأمثلة في البذل، والتّضحية والعطاء لرسول اللّه، فمن ذلك: أنّ امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول اللّه فقالت: ”ما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالوا: خيرًا هو بحمد اللّه كما تُحبّين، قالت: أرونيه، فلمّا رأته قالت: كلّ مصيبة بعدك جلل!!”.ولمّا قدِم أبو سفيان المدينة، دخل على ابنته أمّ حبيبة، فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنّي؟ قالت: بل هو فراش رسول اللّه وأنت رجل مشرك نجس.فيا ترى، ما موقفنا من نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم؟ وما مدى محبّتنا له؟ وما مصداقية هذه المحبّة؟ وهل لها أثر في واقع حياتنا ومجريات سلوكنا؟ وماذا قدّمنا للدّفاع والذبّ عنه، ونشر سُنّتِه في العالمين؟ أدَعُ الإجابة لكلّ قارئ ليُجيب بنفسه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات