أصدرت لجنة الخبراء المستقلة الخاصة بمحاربة الإسلاموفوبيا في ألمانيا، تقريرها الرئيسي منذ أن تأسست سنة 2020 بعد الهجوم ذي الدوافع العنصرية في هاناو، والذي تزامن مع الذكرى الرابعة عشرة لمقتل مروى الشربيني في مدينة دريسدن بثماني عشرة طعنة أمام زوجها وطفلها بقاعة المحكمة، وهو اليوم الذي يوافق الفاتح جويلية، والذي اتخذ موعدا سنويا بألمانيا “لمكافحة العنصرية والعداء ضد المسلمين”.يرى المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أن التقرير الذي أصدرته لجنة الخبراء التي شكلت في عهد وزير الداخلية السابق هورست زيهوفر، من أجل إيجاد حلول لمعضلة الإسلاموفوبيا، قد تمت الاستجابة فيه لأكثر المطالب التي تقدم بها المجلس الأعلى للمسلمين، وفي مقدمتها ضرورة تعيين مفوض حكومي من أجل تعزيز الحياة الإسلامية في ألمانيا للحد من أوجه التضييق والعداء ضد المسلمين، والتي أقرها التقرير.وأفاد الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الأستاذ عبد الصمد اليزيدي، في تصريح لـ«الخبر”، أنه راسل بشأنه الحكومة المركزية والحكومات الولائية بخصوص تعيين هذا المفوض، لكن الردود كانت متفاوتة من حيث المعاني والمضمون، غير أن ورود التوصية ضمن التقرير يعتبرها الأمين العام تعزيزًا لما تقدم به المجلس الأعلى للمسلمين ولم يحظ بالاهتمام والقبول اللازم من قبل، ما يفرض على الجهات الحكومية التسريع في تنفيذ هذه التوصية، والتي ستكون مؤشرا واضحا على الالتزام بالتفاعل الإيجابي والعملي مع توصيات ونتائج التقرير، كما أنها تعتبر خطوة أولى في مسالك الحد من الظاهرة التي تهدّد أسس التماسك المجتمعي القائم على التعدّدية والاختلاف في وطننا ألمانيا.ونظرا لأهمية التقرير في رصده لأوجه الكراهية والعداء ضد المسلمين والرموز الدينية الإسلامية في ألمانيا والخلاصات التي انتهى إليها، يطالب المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا بدراسة توصيات هذه اللجنة دراسة معمّقة ومن ثم تفعيلها على مستوى الواقع والمؤسسات، ذلك أن حجم انتشار ظاهرة العداء أصبح مخيفا بشكل كبير، بحيث وصلت إلى أن واحدا من شخصين في ألمانيا يوافق على التصريحات المعادية للمسلمين، والتي تمس بشكل أكبر الفئات الفاعلة في المجتمع المدني بخلفية تعبّر عن البعد الديني والقيمي الإسلامي، ما يعكس في واقع الأمر تضييقا على مجال الحريات الدينية. ومن حيث المنبع الذي تنهل منه الظاهرة، يؤكد المجلس أن الانتشار الموسع للإسلاموفوبيا إنما تتغذى وتصبح أكثر جذرية باستنادها على بعض التقارير والخطابات السائدة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تقدم صورة مشبعة بنزعة العنصرية والعداء، ولا تعكس في طبيعتها الرؤية الموضوعية والحياد في العلاقة بالمسلمين والرموز الدينية الإسلامية.وخلص التقرير الذي جاء في 400 صفحة باللغة الألمانية، وحصلت “الخبر” على نسخة منه، إلى جملة من التوصيات التي يمكن اعتبارها خارطة طريق حسب المجلس الأعلى للمسلمين، لتجاوز الأزمة التي يؤدي إليها الخطاب والممارسات العدائية من أجل بناء مجتمع تعدّدي أكثر تسامحا وتعايشا، كما يؤكد على ضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات، من ذلك إنشاء مجلس خبراء متخصص وتعيين مفوض اتحادي لمكافحة العداء ضد المسلمين كما سبقت الإشارة لذلك، وتكمن وظيفة هذا المجلس الذي عليه أن يتميز بالاستقلالية، في العمل المشترك مع المفوض الاتحادي لتقديم المشورة وإعلام المجتمع بشكل منتظم.وينبّه التقرير الحكومة الاتحادية في الآن ذاته، إلى ضرورة نهج إستراتيجية تعزيز المشاركة والتمثيل المتكافئ ذوي الهوية الإسلامية على مستوى المعتقد في جميع مؤسسات الدولة ومجالات العمل، بالإضافة إلى إنشاء تدريب إضافي إلزامي يحسس بمخاطر العنصرية وضرورة احترام البعد الديني لمختلف الفئات المهنية في جميع مؤسسات الدولة، من أجل زيادة الوعي بما يحمله العداء تجاه المسلمين.ويوصي التقرير بإنشاء مراكز للإبلاغ والتوثيق عن الممارسات والخطابات العدائية تجاه المسلمين، مع ضرورة تقديم المشورة والتأهيل للموظفين في مختلف المؤسسات، وبالأخص في المدارس، والتي نبّه التقرير إلى ضرورة مراجعة متعدّدة التخصصات للمناهج والكتب المدرسية، من أجل حذف المحتوى المعادي للإسلام والمسلمين، وفق مبادئ توجيهية ملزمة على مستوى الولايات، كما أكد على ضرورة اتخاذ تدابير تعزز تمكين المتضرّرين من التمييز والعنصرية، من برامج على المستويين الفيدرالي والولائي، وتوسيع مكافحة العنصرية والعداء تجاه المسلمين، من خلال برامج تستهدف مختلف الفئات والشرائح المجتمعية.من جانب آخر، أبرز التقرير ضرورة المشاركة المتساوية للجهات والمراكز الثقافية الإسلامية الفاعلة من دعم الدولة في برامجها الثقافية والاجتماعية محليا وعلى مستوى الولايات، كما نبّه على مستوى البحث العلمي والأكاديمي إلى ضرورة الشروع في تقديم دراسات نقدية للعنصرية ودوافعها، والاعتناء بالبحوث ذات المنحى التطبيقي في دراسة العداء ضد المسلمين.ولم تغفل لجنة الخبراء، في تقريرها، ضرورة إعادة النظر في الخطاب السائد إعلاميا وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وداخل بيت الصحافة نفسه، حيث يتطلب الأمر تنويع التغطية على مستوى التقارير الصحفية والخطاب الإعلامي بخصوص الإسلام والمسلمين، واتخاذ إجراءات تخص الجانب القانوني ضد المسلمين عبر الإنترنت، بما يصل للملاحقة الجنائية، بالإضافة إلى تضمين موضوع العداء للمسلمين في قانون الصحافة لمجلس الصحافة بألمانيا.تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، يعتبر هذه التوصيات وغيرها ذات أهمية قصوى في رعاية مجتمع التعدّدية والاختلاف، والحدّ من ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تهدّد وحدة النسيج المجتمعي، ذلك أن الانتشار المكثف للعداء ضد الإسلام والمسلمين يعدّ مشكلة كبرى تهدّد المستقبل، وفي الآن ذاته يمكن اعتبار عدم دراسة وتنفيذ توصيات لجنة الخبراء، والحوار مع الفاعلين في الحقل الديني الإسلامي، والإنصات لهواجس المسلمين وتحدّياتهم أمام مشكلة العداء والعنصرية، عاملا من العوامل التي ستسمح للظاهرة بالتمدّد والاتساع، ما يهدّد النموذج التعدّدي في أسسه التي يقوم عليها، وهو ما يحمل انعكاسات سلبية كبرى في مختلف المجالات، لذلك، يعدّ تنفيذ توصيات التقرير مدخلا من مداخل حماية التماسك المجتمعي، بإرساء دعائم الحوار والتعددية وقبول الاختلاف والتنوع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات