عجول تعرض لمؤامرة داخلية عند توجهه إلى تونس رفقة عميروش

+ -

في الحلقة السابقة، رد المجاهد هلايلي على الاتهامات التي وجهت لعجول بشأن اغتيال مصطفى بن بولعيد، وأكد فيها أن المخابرات الفرنسية هي التي اغتالته وباعترافها. وفي هذه الحلقة، يكشف هلايلي تفاصيل المؤامرات التي دبرت ضد عجول لمحاولة إبعاده أو تصفيته، والتي أدت إلى إصابته.هل وفّق العقيد عميروش في حل أزمة القيادة بعد استشهاد بن بولعيد؟ عميروش مأمور، وتاريخيا كلّفه عبان رمضان ببذل مجهودات للسيطرة على الولاية الأولى التي كانت موالية لأحمد بن بلة، حتى يتحول ذلك الولاء للجنة التنسيق والتنفيذ. وعند وصول عميروش إلى الأوراس، لم يتعامل كمراقب بل كقائد باسم لجنة التنسيق والتنفيذ، بينما قوانينها تنص على أن ترقية قادة المناطق وأمرهم وعزلهم وترقيتهم من اختصاص لجنة التنسيق والتنفيذ، وما قام به عميروش أنه أمر بالهجوم على عاجل عجول بالرصاص في حضرته وهو نائم معه. بعد ساعة من عقد اجتماع بين عميروش وعجول، وفي حدود الساعة 00:22 أو 00:23، هوجم عجول وهو نائم. وبعد نصف ساعة من تبادل إطلاق النار، هرب عجول وسمعت عميروش بأذني يقول للجنود “هذا الخائن الذي فلت من بين أيديكم الليلة عليكم بملاحقته وقتله أو دفعه للاستعمار”.لماذا وصف عميروش عجول بـ”الخائن” وأمر بقتله أو دفعه لتسليم نفسه للاستعمار؟ كان هناك أشخاص لا يريدون أن يبقى عجول في قيادة الأوراس، خاصة بعد اتهامه بالوقوف وراء اغتيال مصطفى بن بولعيد وتدبير حادثة الراديو. لقفد أصبح عجول غير مرغوب فيه للبقاء في القيادة، فاقترح عليه عميروش تسليم القيادة ومرافقته إلى تونس لمقابلة القيادة، أي طلب منه عزل نفسه كقائد للأوراس، فوافق عجول مبدئيا على هذا الاقتراح وسافر معه إلى تونس. وفي منتصف الطريق، وقعت مؤامرة حتى لا يمر إلى تونس، ولم نفهم من أحاك هذه المؤامرة، هل من عميروش أو من محيطه؟أليس مقاتلو النمامشة هم من منعوا عجول من العبور عبر منطقتهم؟ لم يكن واضحا من قام بهذه المؤامرة، وما هو معروف أن العملية كانت مدبرة لكي يقتل عجول، وأنا كنت معهم وشاهدا على ما حدث. وفي سفرنا، أرسلنا فرقة خاصة للاستطلاع وتأمين الطريق لأننا كنا نمشي ليلا فقط. وبعد مضي نصف ساعة، رجع أحد أفراد فرقة الاستطلاع برسالة صغيرة مكتوبة على ورق كناش وبخط رديء، كتب فيها “يا سي عميروش لن نسمح لك بالمرور مادام الخائن عجول معك”، موقّعة باسم جماعة النمامشة، والحقيقة أن لا علاقة لجماعة النمامشة بالرسالة.ولماذا تشكك بأن هذه الرسالة ليست من جماعة النمامشة مادامت موقّعة باسمهم؟ لأن المنطقة التي كنا فيها والتي خرجت بها الدورية تابعة لعجول، والنمامشة ليس لهم أي علاقة بهذه المنطقة، لأنها ليست تابعة لمنطقتهم ولا يمكنهم دخولها أو التدخل فيها، إذن الرسالة من طرف محيط عميروش. وعند قراءة عميروش الرسالة، طلب منه عجول أن لا يغامر بحياته من أجله، واقترح عليه العودة إلى مركزه وإعطاءه تكليفا بمهمة للتنقل إلى تونس أو الذهاب إلى الولاية الثالثة، بينما يكمل عميروش طريقه إلى تونس دون عجول، واتفقا فعلا على هذا الأساس وأعطاه عميروش التكليف بالمهمة ونصحه بالذهاب إلى الولاية الثالثة لأن كريم بلقاسم هناك. المطلوب اليوم رفع الغبن والظلم عن أحفاد هؤلاء الأبطال، كأن تعلن وزارة المجاهدين أو جهة تمثل الدولة الجزائرية صراحة أن الثورة عظيمة ولكن وقعت فيها أخطاء “فوق الجهد”، وأن هؤلاء الأبطال ظلموا وأن قتلهم كان خطأ ولابد من إعادة الاعتبار لهم لأنهم أبعد ما يكونوا عن الخيانة، ولا يكفي أن يوضع عباس لغرور في مربع الشهداء مادام أبناؤه كلما سألوا عن سبب إعدامه لا يجدون جوابا سوى أعدمته الثورة ظلما، دون أن يعاد له الاعتبار الرسمي من طرف الدولةولماذا تراجع عجول عن الذهاب إلى الولاية الثالثة لمقابلة عجول؟ نحن رجعنا إلى مركز الولاية (جبل كيمل) وتركنا عميروش لمواصلة طريقه نحو تونس، لمقابلة جماعة عباس لغرور والنمامشة ومن ثم إلى تونس. وبعد ثلاثة أو أربعة أيام وصل استدعاء جديد لعجول لحضور اجتماع، وكان ذلك في أكتوبر 1956، فالتحقنا بذلك المكان حوالي الساعة 14:00 ووجدنا عميروش رفقة 300 إطار كلهم من الأوراس، أكمل عجول معهم الاجتماع، وفي المغرب رفعت الجلسة، وذهب كل واحد لتناول العشاء، وكنت مع جماعة عجول فلم نجد منزلا نحتمي به من البرد والمطر بالقرب من مكان الاجتماع، لأننا كنا في شهر أكتوبر والأوراس باردة، فمشينا بحثا عن مأوى وابتعدنا مسافة 800 متر إلى واحد كيلومتر عن مركز الاجتماع، ولما أعلمنا عجول أننا ابتعدنا عنهم، انزعج وقال “لماذا ابتعدتم عني، خاصة أنه يجب علي الرجوع والنوم مع الجماعة (عميروش ومن معه)”، فرجعت وتناولت العشاء معه.كم كان عدد العناصر المرافقة لعجول؟ كان عددنا حوالي 27 أو 29، أما الجماعة التي كانت تتآمر على عجول فأطلقت وشايات عنه وقالت إن عجول وجّه سلاحه نحو عميروش، وسيشن عليه هجوما، لكنها مجرد إشاعات، لأننا صعدنا خلف الجبل لنجد مكانا نحتمي فيه من المطر بينما كان عميروش و300 مسؤول من الأوراس أسفل الوادي، فكيف يمكن لنحو 27 جنديا الهجوم على 300 جندي؟! هذا غير منطقي.وهل نام عجول وسط جنوده، أم مع عميروش وبقية قيادات الأوراس؟ رجعت مع عجول واثنين من حراسه لننام مع عميروش، وتركنا فوجنا بعيدا عنا بأزيد من 800 متر.لماذا؟ لأن عجول كان يرى أنه ليس من اللائق أن يترك ممثل لجنة التنسيق والتنفيذ ينام وحده، خاصة أنه موجود في منطقته فنحن إخوة، فلو كان لدى عجول أدنى شك بأن هناك مؤامرة لقتله لما ترك فوجه ورجع للنوم وسطهم.لم يكن واضحا من قام بهذه المؤامرة، وما هو معروف أن العملية كانت مدبرة لكي يقتل عجول، وأنا كنت معهم وشاهدا على ما حدث. وفي سفرنا، أرسلنا فرقة خاصة للاستطلاع وتأمين الطريق لأننا كنا نمشي ليلا فقط. وبعد مضي نصف ساعة، رجع أحد أفراد فرقة الاستطلاع برسالة صغيرة مكتوبة على ورق كناش وبخط رديء، كتب فيها “يا سي عميروش لن نسمح لك بالمرور مادام الخائن عجول معك”، موقّعة باسم جماعة النمامشة، والحقيقة أن لا علاقة لجماعة النمامشة بالرسالة

كيف تم الهجوم على عجول؟ عندما وصلنا إلى المكان الذي كان عميروش متواجدا فيه، وجدناهم موزعين على أكواخ، فبحث عجول عن الكوخ الذي به الحاج لخضر لوجود علاقة صداقة بينهما، فسألنا عنه فوجدناه يحضّر الشاي مع حيحي مكي. ويقول حسين بن معلم إنه كان معهم، لكني لا أتذكر ذلك، فطلب منه الحاج لخضر شرب الشاي معه، فرد عليه عجول “إني متعب، فإذا نمت فلا توقظني، وإذا لم أنم سأشربه معك”، وكنا نحن على اليمين وهذا ما سمعناه من حديث، ثم خلدنا إلى النوم. وبعد فترة من الزمن، لا أستطيع تقديرها، استفقنا على صوت الرصاص وهو “يحصدنا”، ست أو سبع بنادق موجهة إلينا، والنار تقذف من أفواهها، وكنت بين النائم واليقظان وأسمع صوت الرصاص وكأنه ينفجر داخل قدر من نار، ولم أدر إن كنت في حلم أو في حقيقة.ماذا عن عجول، كيف استطاع النجاة من الموت رغم أنه كان محاصرا وأخذ على حين غِرة؟ كان الليل حالك الظلمة، ويصعب علينا تمييز بعضنا البعض ولو من مسافة قريبة، وربما عجول لم ينم، لأنه شاهد علي مشيش أحد أفراد المجموعة المهاجمة يشعل ولاعة لتحديد مكان عجول حتى يستطيعوا قتله من المرة الأولى، لكن عجول تفطن للخطة، أما أنا فمن شدة التعب ظننت أن صوت الرصاص الذي كان يمر من فوق رأسي مجرد حلم، لكن عندما أصبح كثيفا وقفت وعند وقوفي أصابوني من عدة جهات وسقطت حينها أرضا واضعا يدي من الجانبين على صاحبي، فوجدتهما قتلا، ونظرت مباشرة إلى المكان الذي نام فيه عجول فلم أجده، ففي تلك اللحظة التي كنت فيها نائما قتل صاحبي، بينما قفز عجول من مكانه ليجد محمد أزروال، وهو رجل شجاع وبطل جاء لقتل عجول، فسبقه عجول وضربه بالمسدس، فأرداه قتيلا، وأجلسه ووقف في نفس المكان الذي كان فيه أزروال بالقرب من الباب للتمويه.لكن، حسب رواية الجنرال حسين بن معلم، فإن أزروال أمسك عجول بكلتا يديه لتوقيفه وليس لقتله؟  لا، لا، لا، شهادة سي حسين مجرد حكاية، وأؤكد لك أنهم أصابوا عجول وهو نائم في مكانه، وكان عجول يملك بندقية أمريكية من نوع “كارابينا”، ولكنه تركها كي لا يظهر أنه يحمل السلاح وسط زملائه لإثبات حسن نيته، وحمل بدلها مسدس الممرض، وعندما تعرض لإطلاق النار لم يعرف كيف يفتح ضامن المسدس وأخبرني عجول بعدها أنه ضرب المسدس على الحائط فانفتح ضامن المسدس، وعند رؤيته أحمد أزروال قاصدا قتله، سارع عجول لقتله ووقف مكانه فظنوا أنه واحد منهم، وبقي عجول واقفا لمدة ثلاث دقائق، ثم هرب.ماذا عنك؟ كيف كان مصيرك؟ عند إصابتي للمرة الثانية، توقف أزيز الرصاص لمدة خمس دقائق، فزحفت إلى داخل غرفة مظلمة، ولحد تلك اللحظة كنت أحسب أن الجيش الفرنسي هو من كان يهاجمنا وليس إخواننا، ورجعت لاستعادة الكيس الذي به الختم والأموال والذي سلمته لعجول فوضعه تحت رأسه، فأخذت الكيس، وكان بحوزتي رشاش من نوع “ماط 49” فرنسي الصنع، فأحدث صوتا عندما كنت بصدد الاستعداد لمواجهة مصدر النيران، لكني سمعت أحدهم كان ورائي يقول لي “لا تطلق النار”، وكان هذا الشخص نفسه جندي فرقة الاستطلاع الذي عاد بالرسالة لعميروش عند توجهنا إلى تونس واسمه أحمد بلحاج التيفورغي، كان من بين معارضي عجول ووضعوه في تلك الغرفة المظلمة حتى إذا فر عجول قتله لأنه يعرفه جيدا.ما هي العبرة التي يمكن أخذها من قصة عجول وعباس لغرور؟ عندما نتذكر، اليوم، هذه الأحداث لقادة الأوراس والأسباب التي أعدموا من أجلها، نحن لا نبحث عن قصاص، لكن لنوضح للتاريخ أن أحفاد الشهداء يعانون من كابوس يتمثل في أن آباءهم أعدموا على أيدي الثورة وعندما يسأل ابن شهيد مات في معركة مع العدو ابن أحد هؤلاء الأبطال فيقول أعدم من طرف الثورة، الإعدام عندما يأتي من الثورة فهذا يعني الخيانة، لذلك يبقى هذا الكابوس حاضرا لدى أحفاد هؤلاء الأبطال إلى يوم الدين، خاصة عندما يأتي كتاب ومؤرخون ويكتبون بأن هؤلاء الأبطال خونة، بينما قاموا بأشياء لولاهم لما انتصرت الثورة. المطلوب اليوم رفع الغبن والظلم عن أحفاد هؤلاء الأبطال، كأن تعلن وزارة المجاهدين أو جهة تمثل الدولة الجزائرية صراحة أن الثورة عظيمة ولكن وقعت فيها أخطاء “فوق الجهد”، وأن هؤلاء الأبطال ظلموا وأن قتلهم كان خطأ ولابد من إعادة الاعتبار لهم لأنهم أبعد ما يكونوا عن الخيانة، ولا يكفي أن يوضع عباس لغرور في مربع الشهداء مادام أبناؤه كلما سألوا عن سبب إعدامه لا يجدون جوابا سوى أعدمته الثورة ظلما، دون أن يعاد له الاعتبار الرسمي من طرف الدولة، على غرار لزهر شريط وطالب العربي وعبد الحي السوفي وعبد الحفيظ وآخرين من أبطال هذه الثورة.     يتبعتطالعون في الحلقة القادمة:ـ عبان رمضان بدل أن يتكامل مع جماعة أول نوفمبر جاء بقيادة جديدةـ زيغود يوسف كان ضد قرارات مؤتمر الصومام رغم مشاركته فيهـ عبان أسس المنطقة الحرة في العاصمة حتى يستولي على قيادتها

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات