انطلقت من مقر الأمم المتحدة بنيويورك، مبادرة رابطة العالم الإسلامي “بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب”، والتي دشنها الأمين العام للرابطة رئيس هيئة علماء المسلمين، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، بمشاركة رئيس الجمعية العمومية بالأمم المتحدة سابا كوروشي، والأمين العام للأمم المتحدة ممثلا في نائبته السيدة أمينة محمد، والمبعوث السامي لتحالف الحضارات ميغيل موراتينوس، والمستشار الخاص لتعدد الثقافات والأديان بالأمم المتحدة آرثر ويلسون، ووسط حضورٍ رفيعٍ لكبار قيادات الأمم المتحدة وممثلي البعثات الدائمة للدول الأعضاء لدى المنظمة الدولية والزعماء الدينيين من مختلف الأطياف والهيئات ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.وأكد الدكتور العيسى في كلمته الافتتاحية على أهمية تعزيز التحالف الحضاري، مع إدراك أن لكل حضارة هُويتها الخاصة بها التي لا بد من تفهم حقها في الوجود، مهما كان الخلاف معها، وقال: “عندما نتحدث عن هذا الموضوع، نتحدث عن أهمية تعزيز تحالفنا الحضاري، وإذا تحدثنا عن ذلك، تبرز حضارتا الشرق والغرب”، موضحا: “نقصد بالحضارة مجموعة الاعتقادات والأفكار والسلوك التي تشكل قناعة وتصرف العموم وليس قناعة أفراد معيّنين أو مجموعات أو تكتلات خاصة لا تمثل العموم، ومن ذلك المستجدات الفكرية والسلوكية التي يحصل النزاع حولها في الحضارة الواحدة”.وأشار الأمين العام إلى أن “التواصل للتعارف والتعاون بين الأمم والشعوب هو نداء إلهي في كل الشرائع السماوية، وفي الإسلام تحديدا”، موضحا أن “لكل حضارة خصوصيتها وحقها في الوجود، ولا يمكن الدعوة لانصهار الحضارات في حضارة واحدة، كما لا يمكن أن تتفوّق حضارة على أخرى إلا بالحقيقة التي تمتلكها وليس بهمجية القوة، وإذا كان الأمر كذلك فليس أمامنا إلا احترام القدر الإلهي في التنوع والاختلاف الحتمي في هذه الحياة”. وأبدى أسفه بقوله “لا يزال التاريخ الإنساني (من حين لآخر) يزوّدنا بصور مؤلمة لنتائج صدام حضاري بين الشرق والغرب، نشأ في بدايته عن تبادل النظرات والعبارات الحادة، بالرغم من القرب الشكلي من بعض، إضافة إلى استدعاء أحداث تاريخية سياسية ومادية لا تمثل حقيقة الوعي الروحي لأتباع الأديان ولا نقاء الأمم والشعوب، وإنما يتحمّلها أصحابها سواء صدرت عن بعض المحسوبين على الشرق أو الغرب، إضافة إلى عدم استيعاب حكمة الخالق في الاختلاف والتنوع، ولدينا في الإسلام نصوص صريحة تدعو لاحترام كرامة الآخرين، والتأكيد على أنه لا إكراه في الدين، مع الدعوة للإحسان للمسالمين أيا كانت هوياتهم”.ودعا العيسى من منبر الأمم المتحدة وبحضور نخب دينية وفكرية وسياسية وإعلامية ومجتمعٍ مدني، عقلاء العالم “لأن يُدركوا بحكمتهم أهمية تعزيز التفاهم والتعاون والسلام بين الأمم والشعوب واستلهام مواعظ التاريخ التي تؤكد لنا خطورة الصدام الحضاري، وخطورة محاولات فرض ثقافة على أخرى “كلا أو بعضا” بعيدا عن الحقيقة التي تؤهلها لذلك وفق القناعة الوجدانية”، مطالبا بـ«تمحيص التاريخ الإنساني وقراءته قراءة صحيحة والتنبه إلى ما في بعضه من تزوير أو مبالغة أو تحليل خاطئ أو متطرف”.وأكد “حرص رابطة العالم الإسلامي من خلال وثيقة مكة المكرمة التي أمضاها أكثر من 1200 مفتٍ وعالم من جميع المذاهب والطوائف الإسلامية، على إبراز حقيقة الإسلام تجاه أتباع الأديان والحضارات وعدد من القضايا المهمة في عالمنا”. مشيرا إلى أن “التحالف الحضاري بين الأمم والشعوب، مع تفهم خصوصية كل حضارة، وعدم التدخل في شؤونها أو الإساءة لأتباعها، يعتبر ضرورة ملحة لسلام عالمنا ووئام مجتمعاته الوطنية”، مؤكدا أن “هذا ليس خيارا نقبله أو لا نقبله، بل هو تحديد مسار وكتابة مصير”.كما دعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لـ«تبني اقتراح على الجمعية العمومية لتخصيص يوم عالمي للتحالف الحضاري بين الشرق الغرب، وذلك لتحفيز أمم وشعوب الشرق والغرب نحو المزيد من الثقة المتبادلة والتفاهم والتعاون الفاعل في مواجهة المحرّضين والمستفيدين من تصعيد الأفكار المتشائمة لنظرية الصدام الحضاري، وكذلك في مواجهة تعميم الأحكام والانطباعات على الجميع بناء على خطأ فردي أو خطأ مجموعات متطرفة، وكذلك دعوة الدول الأعضاء لتعزيز قيم السلام والوئام بين الأمم والشعوب في مناهجها التعليمية”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات