ما كان لعمار سعداني أن “يتقيأ “ على جهاز المخابرات، وعلى رأسه الجنرال “توفيق”، لو أن الرئيس بوتفليقة خرج عن صمته. واستمرار صمت الرئيس “خطر” على ما وصف بألسنة الكثير من الناس، ليس فقط المراد من مطالبته بالتحدث، أن يكشف إن كان سيتقدم للانتخابات الرئاسية أم أنه يمتنع عن ذلك؟ فهذا من شأنه وحده، ولكن لكونه الرجل الأول في البلاد، من صلاحياته ومن واجبه أيضا أن يضع النقاط على الحروف إزاء “ألغام” مزروعة تحت أقدام الجزائريين وتهدد مستقبل البلاد.الرئيس بوتفليقة استطاع أن يحوّل الجميع إلى طيور مهاجرة في بلدها، تغرد لوحدها، وتبحث عن منقذ لإضاعتها بوصلة رحلة “الربيع ـ الرئاسيات”، والرئيس بوتفليقة “تخلى” عن الجميع، في وقت يبحث عنه الجميع، فهم لما عجزوا عن إيجاده، أصابهم الدوار. ومن بين نتائج هذه الدوار، أن تقيؤ عمار سعداني ما كان ينغص عليه مزاجه وربما مزاج الكثير من أقرانه الذين لم يتجرؤوا على البوح بما أباح به أول أمس. في الواقع، أن مؤشر “داحس والغبراء” الذي كان لسعداني الفضل في كشفه، قبل 73 يوما من الانتخابات الرئاسية، كان متوقعا، بل أن عدّاده انطلق مباشرة بعد أن قال بوتفليقة “جيلنا طاب جنانو” ثلاث مرات، في خطابه الشهير بسطيف، ماي 2012، قبيل أيام قليلة من تشريعيات 10 ماي. والمؤكد أن قطاعا واسعا من الموالين للرئيس والحريصين على بقائه، لم يعجبهم خطابه، كما راق للذين لا يريدونه رئيسا لعهدة رابعة. لكن، ومهما اختلفت المواقف بشأن ذلك الخطاب، فثمة آلة انطلقت في الخفاء، بين طرفين، واحد يدفع به إلى الواجهة مرة أخرى، وآخر يعمل على التحضير لخليفة له. وواحدة من نتائج ذلك التطاحن، أن خاض سعداني في “معادلة صفرية” على وتر “أكون أو لا أكون”، كان بإمكانه أن يدهس أي أحد يجده في طريقه. لكنه لما كان الجنرال توفيق أول ضحية له، فأكيد أن سعداني ذهب إليه وليس فقط وجده في طريقه.من خطاب “طاب جناني” إلى اليوم، مسافة بـ 20 شهرا، لم يخاطب فيها الرئيس بوتفليقة، شعبه. وبوتفليقة حينما يصمت، يعني أن “الدولة كلها تصمت”، وصمت الدولة “خيار سياسي” بالأساس، قياسا بقول كل من عبد الله جاب الله، وأحمد بن بيتور وجيلالي سفيان بأن الرئيس اختزل الدولة في شخصه، ولهذا السبب بالذات يقول جيلالي سفيان، إنه سيسحب ترشيحه لموعد 17 أفريل، إن قرر بوتفليقة الترشح. وليست هذه المرة الأولى التي يصمت فيها الرئيس، والجميع يتذكر يوم الثامن سبتمبر 2012، كيف علق الجزائريون على مقبض إشاعة “قتلت” الناس جميعا، لما تردد أن بوتفليقة يكون قد توفي ولا أحد تمكن من تأكيد أو نفي الإشاعة التي أطلقها مدون فرنسي يدعى “ألان جولاس” بباريس، وتلقفتها وسائل الإعلام الدولية كالفريسة. ولم يستجب الرئيس بوتفليقة لدعوات تطالبه بالخروج عن صمته، حيال ملفات عالقة، مثلما دعته الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، قبل نحو أسبوعين، ووضعته أمام مسؤولياته التاريخية لما تناهى إلى أسماعها ما يتردد من أن أطرافا تعمل على إجراء تعديل دستوري طفيف من أجل استحداث منصب “نواب الرئيس”، وواحد ممن كانت تقصدهم، الأمين العام للأفالان، عمار سعداني. وكما لم يستجب الرئيس لهذه الدعوة، أدار ظهره كذلك لأزمة الأفالان، رغم دعاوى للتدخل وإنهاء الأزمة. لكن بوتفليقة له طريقته الخاصة في إيصال رسائله إلى من يهمه الأمر دون الحاجة إلى التصريح. ومعروف أن قائد أركان الجيش، الفريق ڤايد صالح، هو أكثر الشخصيات في الدولة التقاء بالرئيس منذ أن عاد من رحلة العلاج من باريس، يوم 16 جويلية من العام الماضي.ما يحدث من مستجدات بطلها سعداني، أفقد أحزاب المعارضة لترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، موقعها “المعارض” الذي حل فيه “الجنرال توفيق” إذا كانت قراءتنا لتصريحات سعداني بخصوص معارضة محمد مدين لترشح الرئيس، قراءة صحيحة، فأي جهة ستساند المعارضة هذه المرة في حلبة “صراع الديكة” كما درج على وصفه الراحل عبد الحميد مهري؟ الخيار يبدو عصيا على الذين يرفضون المراهنة بمستقبلهم السياسي، كما فعل سعداني، لذلك تراهم صامتين (حاليا على الأقل).وإذا كانت تأويلات المتتبعين تشير إلى أن مدير الاستخبارات محمد مدين، يكون ضد العهدة الرابعة لبوتفليقة، إذا ما دققنا في التصريحات النارية لسعداني، فإن واحدة من المعطيات المتواترة عن تصريحاته تشير إلى أن الغموض القائم ناتج عن عدم فصل الرئيس في مسألة ترشحه من عدمه واستمرار حالة “السوسبانس” المرتبطة بموقفه، ولم تكن مواجهة سعداني للجنرال توفيق سوى حلقة أخرى من حلقات الغموض السياسي بشأن استحقاق الربيع المقبل، وهو غموض لا يتطلب انقشاعه سوى كلمة واحدة من الرئيس؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات