يُرشح الخبير الاقتصادي، عبد الحق لعميري، الاقتصاد الوطني لمواجهة ثلاثة سيناريوهات مستقبلية، ستتحدد وفقا لتعاطي الحكومة مع الوفرة المالية الحالية ومدى استغلالها في بناء اقتصاد متنوع. ويقدم في كتابه الجديد الموسوم “عشرية الفرصة الأخيرة: صعود أم انتكاسة الاقتصاد الجزائري؟”، تحليلا حول أسباب بقاء الجزائر أسيرة للريع، ويقترح إزاء ذلك توصيات كفيلة بانتشال الاقتصاد من حالة التيه التي يعيشها.يقدم الدكتور لعميري السيناريو الأول، على أنه مواصلة السلطات العمومية ضخ الأموال في الاقتصاد من أجل خلق نسبة نمو متواصلة. هذه الحالة تتطلب بقاء أسعار النفط في مستويات مرتفعة، حيث تساهم الإيرادات النفطية في تمويل مشاريع البنى التحتية، ما يساهم في خلق مناصب عمل ورفع مستويات النمو في الناتج المحلي الخام الذي سيكون في حدود 2.5 إلى 5 بالمائة، في حين سيكون معدل التضخم متحكما فيه، والبطالة الرسمية ستكون في حدود 8 إلى 12 بالمائة، لكن الخاصة بالشباب ستفوق 20 بالمائة. في هذا السيناريو لن تتطور البلاد وستستمر في السير بوتيرة متوسطة. ويُعرف الخبير السيناريو الثاني بـ”الانتكاسة”، وفيه ستبقى السياسات الاقتصادية على حالها، لكن أسعار البترول ستنحدر وتلقي بظلالها على القطاعات الأخرى. في هذه الحالة، سيستهلك البلد احتياطاته المالية، وسيوجد أمام تحدي الكثافة السكانية التي ستبلغ 50 مليون نسمة. والأسوأ أن مخططات الإقلاع الاقتصادي ستتوقف آليا، وستنطلق الدولة في تطبيق سياسة التقشف. معدل البطالة سيرتفع إلى 30 - 40 بالمائة، والتضخم برقمين سيظهر. المشاكل الاجتماعية ستتعمق في الصحة والنقل والتربية، وستشهد البلاد انزلاقا سيدخلها في دوامة من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة. الخسارة ستلحق بالجميع، والنخبة الحاكمة ستكون ملاحقة قضائيا في كل دول العالم. ويصل لعميري، في تحليله المستفيض، إلى السيناريو الثالث “الصعود” الأكثر تفضيلا من السابقين. الوصول إليه سيتطلب ضخ الموارد المالية في النشاطات التي تنتج أكبر قدر من النتائج لاقتصاد في مرحلة انتقالية. ستكون أمام الجزائر سنتان إلى ثلاثة من النتائج المتواضعة، لأن الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد يخلق الثروة، يستوجب تسييرا لهذا التغيير شديد التعقيد. في هذا السيناريو، معدل البطالة سيرتفع على المدى القصير وقد يصل إلى 15 بالمائة والتضخم 10 بالمائة، لكن يمكن استيعاب ذلك عبر صندوق ضبط قد يقلل من الصدمات الاجتماعية والمشاكل الكبرى. أما على المدى المتوسط، فيمكن الوصول إلى معدل نمو بـ10 إلى 12 بالمائة، ومعدل البطالة سينخفض إلى أقل من 5 بالمائة والتضخم في حدود 2 بالمائة، ويمكن باستغلال ذلك إقامة توازنات في كامل القطاعات: السكن الصحة، النقل.. وسيدخل البلد في نادي الدول الصاعدة.لم يكتف لعميري بتقرير الحال واستقراء المستقبل، بل استفاض في كتابه الذي يقع في 276 صفحة، في محاولة وصف الدواء عبر 16 إجراء كفيلا بتحقيق السيناريو الثالث: إنشاء هيئة أدمغة تضم نخبة العلماء في كل الميادين، يتحاورون جماعيا مع الأطراف الفاعلة لوضع تصور حول استراتيجية شاملة، منفتحة ومتناسقة، تعضدهم في ذلك الطبقة السياسية التي عليها وضع الأولويات والأهداف ومراقبة النتائج، وذلك في إطار استراتيجية تصل بالجزائر إلى مصاف الدول الصاعدة إلى غاية 2025 ومتطورة في 2050، إلى جانب اقتراحات تخص التكامل القطاعي في الجزائر وتطوير تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات