38serv

+ -

 لم تثبت نبوة نبيّ في شريعة من الشّرائع بالبُرهان العقلي القاطع كما تثبت نبوة سيّدنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلّى اللّه عليه وسلّم. فقد ثبت أنّه نشأ عليه السّلام أميًا بين قوم أمّيين، لم يقرأ كتابًا ولا قال شعرًا ولا ارتجل خطبة ولا ترأس قبيلة ولا انتحل كهانة ولا عرف شيئًا من شرائع الأمم وأديانها، ولو ثبت عنه شيء من ذلك لنقله أتباعه الّذين عنوا برواية كلّ ما علموه وما سمعوه في شأنه قبل النّبوة وبعدها أو لأذاعه أعداؤه ليكون ذريعة في إنكار نبوته.بقي هكذا شأنُه حتّى بلغ سن الأربعين، ومن المشاهد المسلَّم به أنّ أيّ شخص تظهر عليه بوادر النّبوغ في علم ما تظهر آثاره في عنفوان شبابه، وسيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الفترة لم يظهر عليه شيء من هذا القبيل، بل جلّ ما اتّصف به هو الأمانة والعزوف عن مخالطة قومه في المُجون واللّهو وعبادة الأصنام. ثمّ قام بدعوة النّبوة بعد سنّ الأربعين وأيّد دعواه بالقرآن الكريم الّذي اشتمل على أخبار الغيب الماضية والمستقبلة واشتمل أيضًا على العقائد الإلهية المؤيّدة بالبراهين العقلية والعلمية وأصح قوانين الأخلاق والفضائل النّفسية، والعبادات الجامعة بين المنافع الرّوحية والجسدية، وأعدل الشّرائع السّياسية للبشرية قاطبة. وقد تمّ على يد سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم حوادث ضخمة لا يعقل أن تتمّ إلّا في خلال آماد طويلة، وعقب تطوّرات متتالية، منها: توحيد الأمّة العربية بعد أن كانت قبائل متفرّقة، وقضاؤه على وثنية متوارثة منذ آماد طويلة، وإحلاله محلّها دينًا سماويًا يرفع الإنسان إلى أعلى مراتب السُّمو، وإحداثه إصلاحًا اجتماعيًا جذريًا قلّب أخلاق العرب من جاهلية متخلّفة وما تشمل عليه من ضياع حقوق المستضعفين والانغماس في الشّهوات الجسدية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية غير مفرّقة بين الضّعفاء والأقوياء. وعمل من هذه الأعمال كفيل بأن يَرفع مقيم صرحها إلى درجة ممتازة قلّ أن يبلغها غيره، وتجعل له اسمًا خالدًا بين عظماء التّاريخ فما ظنّك وقد تمّت كلّها على يد رجل واحد أفضل خلق اللّه هو سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات