سألوا فرعون ما فرعنك؟ قال عبيدي. تلك حكمة صحيحة من جوانب كثيرة. فالديكتاتور نوعان: نوع مهوس بالسلطة والتسلط، ويعتبر نفسه “قدرا” على الناس و«نعمة” عليهم ومن دونه تسود الفوضى. ونوع ثان تصنعه جماعات النفاق والمصالح والتملق الممجوج. لنأخذ مثالين على الأقل. واحد من الجزائر والآخر من مصر.في الجزائر، نرى بوضوح أن جماعات النفاق والمصالح تصور أن العهدة الرابعة “واجب وطني”، وأنه ليس في البلاد “رجل” مثل الرئيس بوتفليقة يستطيع أن يقود البلاد، بل هو شرط الاستقرار! والكثير يجزم بأن هؤلاء يحكمون في الأمر مصالحهم ومصالحهم فقط، وهم من أجل ذلك يمارسون كل أشكال التملق وكل أشكال النفاق، وهم قادرون على الانقلاب على رأيهم لصالح اسم آخر ورجل آخر إن مالت الريح. مثل هؤلاء، والأسماء معروفة جدا، يتزعمهم كل من سعداني وغول ومن لف لفهما، ورهط من الأحزاب المغمورة ونصف المغمورة، وصلوا حدا غير معقول من النفاق، حتى أن أحدهم ومن فرط المبالغة في التملق والنفاق راح يصرخ: “أنا مع بوتفليقة حيا أو ميتا”.المراهنة على العهدة الرابعة ليست هي الأهم في هذا المقام، فالأهم هو تلك الصورة التي تنبعث من مواقف هؤلاء وتصريحاتهم، والرئيس لم ينطق ببنت شفة ولم يعلن أي قرار بل ولم يقم بأي شيء يتجه في اتجاه تبرير الاستمرار في السلطة، فالرجل متعب أرهقه المرض، وعوض الدعوة له بالشفاء وتمكينه من التفرغ لراحته، يبالغ البعض في التملق، بل ويعطي الانطباع بأنه يحاول ابتزاز الرجل في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به.الهجمة تكثفت منذ أيام ووصلت حد إعلان مجموعة من التشكيلات الحزبية، يقودهم وزير تحيط بإدارته لقطاع الأشغال العمومية شكوك وتدور حول “مشروع العصر”، أي الطريق السيار شرق غرب، شبهات والكثير من الهمز واللمز، أولا عن كلفته واحتمال وجود تكاليف إضافية ضخمة ذهبت رشا، وثانيا عن مستوى احترام المواصفات التقنية في الإنجاز، الهجمة تكثفت بإعلان هذا الوزير أنه ومجموعته (!) سيشرعون في جمع التوقيعات لصالح الرئيس، وهذا على الرغم من أنه ليس هناك أي إعلان من الرئيس أو أي بيان رسمي عن قراره بالاستمرار. مثل هذه السلوكات والتصرفات تأتي من “عبيد”، وهم الذين يصنعون الفرعون وهم الذين يحرضونه، حتى إن لم يكن يملك تلك الميول، على أن يصير ديكتاتورا وأن يتصرف بذلك المنطق.الأمر لا يختلف كثيرا في مصر، بل هو أوضح كثيرا. فالكثير من النخب أو ممن هم في مواقع النخبة ولو من غير أي استحقاق، يعملون، كما قالت بعض التعليقات، على “صناعة الديكتاتور” في شخص المشير عبد الفتاح السيسي. التشابه كبير بين المتدافعين على دفع الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، وبين الذين حرضوا السيسي على السطو على السلطة، ثم شرعنة هذه السلطة غير الشرعية، ثم تحريضه على أن “يتفرعن” ويشعر أن بإمكانه أن يتصرف مثلما يحلو له، من غير أن يجد من ينبهه حتى لأخطائه أو تقصيره أو قصوره. هذه الصورة نتاج واقع حال سببه تغييب الحرية، وتغييب العمل السياسي، ومنع بروز نخب، إلا من خلال قنوات سلطوية، وطرد كل النخب التي لا تأخذ بشبكة قراءة السلطة والتي لا تصنع من قبل أجهزتها ولا تكون في خدمتها لا في خدمة الدولة.صناعة الديكتاتور واستمرار أنظمة الأحادية والفساد تمر عبر ثنائية غريبة تتكرر في كل بلدان المنطقة. السلطة، جيش و/أو قصر، من جهة، حركات إسلامية إخوانية أو غيرها، من جهة أخرى. ويظل السؤال المحير: هل من غير الممكن لهذه المجتمعات إنتاج إلا هذه الثنائية؟ ولماذا لا يمكن أن تظهر حركات أو مدارس سياسية أخرى؟ ولماذا لا تنتج الجامعات نخبا حداثية ونخبا وطنية ونخبا يسارية؟ وهل هناك فعل إرادي في منع ظهور مدارس أخرى وجعل هذه الثنائية هي الممكن الوحيد؟ أليست هذه الثنائية “فيروس تعطيل” يتكرر أمامنا بوضوح جلي؟ أليس هذا الواقع وما يؤثثه من “عبيد” هم صناع ثقافة الديكتاتورية والتخلف والفساد والعطل الاجتماعي الاقتصادي والسياسي؟! هذا واقع غير قابل للإصلاح لا بد من تفكيكه[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات