بدأت السلطات الصينية مؤخرا في تفعيل قانون أصدرته الحكومة وألحقته بدستورها ينص على منع الصلاة والصيام والحجاب وإطلاق اللحية ووضع العمامة في “تركستان الشرقية”، كما يمنع القانون كل ما له علاقة بالعادات والتقاليد الإسلامية، حيث يتعرض كل من يخالف هذه القوانين لأشد العقوبات حسب الدستور الصيني.. فإلى متى يستمر القمع والاضطهاد والترهيب بحق هؤلاء المسلمين؟يعاني شعب الأويغور التوركي المسلم مختلف أنواع الترهيب والقمع والاضطهاد في بلاده الأصلية والتاريخية تركستان الشرقية، وهي بلاد ذات حضارة توركية-إسلامية عريقة احتلتها الصين في 1760 وأعادت تسميتها عمدا وبكل بساطة “شينجيانغ” أي “الوطن الجديد”!! ومعروفة هي الإبادات والمجازر الرهيبة والمذابح الشنيعة التي ارتكبها الصينيون بحق ملايين من الأويغور منذ ذلك الوقت، وخصوصا في عهد المانشو ومن بعده الصين الوطنية ثم الصين الشيوعية وصولا إلى اليوم، وما تفعله الحكومات الصينية المتعاقبة، وهذا من دون أن تتحرك الأمم المتحدة أو أي دولة “حرة” في العالم الغربي للدفاع عنهم، بينما يتدافعون جميعا للدفاع عن التيبتيين والسبب معروف لأن الأويغور مسلمون.تاريخيا، من المعروف أن هناك فرقا كبيرا بين الأويغور وبقية القوميات العشر الأخرى المسلمة في الصين التي لا تطالب بالاستقلال، وهذا لأن للأويغور (أكثر من 8 ملايين من الأويغور يعيشون في تركستان الشرقية وفقا للتقارير الصينية) أرضا محتلة، لها تاريخ وثقافة ولغة وعادات وتقاليد خاصة تختلف كليا عن ثقافة عرقية “الهان” المسيطرة في الصين (أكثر من 91% من الصينيين من الهان أي أكثر من مليار نسمة)، كما أنه معروف أن تعداد أغلب هذه القوميات المسلمة (الكازاخ، دونغشيانغ، القرغيز، الطاجيك، الأوزبك، باوآن، التاتار وقومية سالار) صغير جدا ويعد بالآلاف فقط ما عدا طبعا قومية “الهوي” في نينغشيا ذاتية الحكم وهي أكبر أقلية مسلمة من حيث العدد في الصين كما تدعيه الإحصائيات الصينية، ولكن هؤلاء “الهوي” هم عرقيا من الصينيين الهان الذين أسلموا قديما، وبالتالي فهم يحملون حبا لبلادهم الصين ولعرقهم وشعبهم شعب الهان، وهذا ما يجعلهم يرفضون وبشدة فكرة استقلال الأويغور مفضلين نصرة عرقهم على إخوانهم في العقيدة.الصين، وحتى تتخلص كليا من الأويغور، تقوم منذ عقود طويلة بعمليات واسعة لتصيين (من الصين) تركستان الشرقية، من خلال جلب ملايين من الهان وتسكينهم بالمنطقة ليصبحوا أغلبية، وإجبار الأويغور على الدراسة بالماندرين (لغة الهان) ومنعهم من التكلم بالأويغورية، كما تقوم بمحو المعالم والآثار التي ترمز للتاريخ الأويغوري العريق، وخصوصا في أورومتشي وأيضا كاشغار مدينتهم الثقافية ومهد حضارتهم. وليس هذا فقط بل إن السلطات الصينية تجبر الأويغور على اتباع سياسة تحديد النسل رغم أنها تتساهل مع التيبتيين ولا تجبرهم على هذا الأمر، كما تقوم بمنع الأويغور من السفر إلى الخارج ومن التنقل بحرية في الصين وملاحقة المهاجرين منهم في مختلف دول العالم، وخصوصا قاداتهم من أمثال المناضلة الكبيرة ربيعة قدير. كما تمنعهم أيضا من ممارسة شعائرهم الدينية، وتهدم مؤسساتهم الإسلامية بما فيها المساجد، وتفرض عليهم اتباع تعاليم ماوتسي تونغ، وتخضعهم لقوانين الأحوال الشخصية الشيوعية ومناهج التعليم الإلحادية، وكل هذه الأمور تحصل في ظل تعتيم إعلامي رهيب وصمت مطبق من الدول الإسلامية والغرب ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.. وكما قال الأمير شكيب أرسلان فيما مضى “مسلمو الصين ليسوا في هذه الدنيا”.وسأختم في الأخير بالقول إن بلاد تركستان الشرقية هي بلاد غنية جدا بثرواتها الطبيعية من محروقات وفحم ويورانيوم ومختلف المعادن النادرة- التي تمتصها إلى اليوم الحكومة الصينية- ولكنها من جهة أخرى من أفقر الأقاليم الصينية على الإطلاق، إذ تعمد الحكومة الصينية، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، إلى تطوير والرفع من مستوى معيشة الساحل الغربي والجنوب ووسط البلاد فقط حيث تتركز قومية الهان.وخلاصة القول إن قضية تركستان الشرقية هي أكبر بكثير من مجرد “هجمات إرهابية” ينفذها انفصاليون أويغور من وقت لآخر كما تدعيه الحكومة الصينية، وإنما هي قضية تصفية استدمار مازالت لا تجد من ينصفها إلى اليوم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات