حذّر فضيلة الشيخ حسان الأنصاري، شيخ مدرسة الشيخ حسان الأنصاري بأنزجمير بأدرار، وعضو المجلس الإسلامي الأعلى، في حوار لـ«الخبر”، في جزئه الثاني، مسؤولي القنوات الفضائية من أن تكون سببا في ضياع الأمة وشتات أمرها، مشيرا إلى أن كل ما يُعرض في هذه القنوات مما لا يوافق الشرع أو يكون علة في صدّ المسلم عن الطاعات وتكثير البضاعة، يرجع عليهم بالإثم.كيف ترون حالة التدين في رمضان الجزائريين؟ الحمد لله، الكثير يتغير في هذا الشهر الكريم، فتعمّر المساجد وتتحرك القلوب للطاعات وتنشغل الناس بالعبادة، من صلاة وذكر ودعاء وتبرعات ومساعدة للمحتاجين، وهذا والحمد لله مما يتوجب علينا شكره. ولكن الإشكال في الإحجام بعد الإقدام، ففضل هذا الشهر في آخره، أي العشر الأواخر، لما علم أن ليلة القدر فيها، ولا يخفى فضلها على مسلم، فعوض أن يواصل الناس الاجتهاد حتى يدركوها، تجدهم يتراخون ويحجمون كلما تقدم الشهر حتى يدركوا العشر وقد تركوا المساجد وعمّروا الأسواق، بل وتركوا كثيرا مما كانوا يعملون من الطاعات، وهذا شيء سلبي لا ينبغي لمسلم يعرف قيمة هذا الشهر الكريم، فإن عهدنا مع الله في رمضان ينبغي أن يكون متواصلا حتى بعد هذا الشهر، فالتوبة والطاعات ليس لها موسم خاص، فهي مستمرة باستمرار الحياة إلى الممات، فبئس القوم أولئك الذين لا يعبدون الله إلا في رمضان، فنعوذ بالله من السلب بعد العطاء.ما مدى صحة مقولة إن “رمضان شهر التغيير”، خاصة أن سلوكيات الكثيرين لم تتغيّر في رمضان؟ حقيقة أن رمضان فيه من الأمور التي تكون سببا ومساعدا في تغيير سلوك المرء فيه، كما ورد تصفد الشياطين وتخف الغواية وينقص أعداءه، فما يبقى إلا النفس والهوى، وفيه يقل طعامه مما يكون سببا في رقة وصفاء قلبه، فكثرة الطعام مثقلة للقلب والبدن عن الطاعات، ولكن هذه أسباب قد تؤثر نوعا ما بنسب قليلة إن لم يكن للمرء عزم على التغيير. فتغيّرنا يأتي من قرارات أنفسنا نحن، لقوله تعالى: {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}، فالسماء لا تمطر ذهبا. فلهذا نجد الكثير لا يظهر عليهم تغيير، لأنهم لم يعزموا ولا اتخذوا لذلك سببا من توبة حتى يُوفقوا ولا تضرع وابتهال ودعاء لله بتحسين حالهم فتمنوا على الله الأماني، ففي الحديث: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”. قال كعب بن مالك: لئن الأماني والأحلام تضليل، فكيف لمن لم يتخذ سببا أن يحقق مطلبا ومكسبا؟؟.كيف يمكن الاستفادة من شهر رمضان في توحيد الأمة؟نحن أمة أنعم الله علينا بالإسلام، فلمَّ وجمع شملنا بعدما كنا في شتات وفي فساد وتمزق، فقد قالوا لولا الإسلام لتناحرت العرب، فقد كان يغير بعضهم على بعض ويريقون الدماء ويستحلون الأعراض، إلى أن جاء هذا الدين القويم فجمعهم تحت مظلة الإسلام والسلام. ولقد شرع ديننا الحنيف شرائع جعلنا نذوق ونلتمس فيها روح الوحدة والاجتماع، منها الصلوات الخمس، ثم يرتقي هذا الاجتماع إلى صلاة الجمعة التي يفرض على كل مكلف حضورها من الرجال الأحرار، ثم يرقى للأعياد فتكثر الجموع، ثم يبلغ ذروته في الحج والصيام. ففي رمضان، تجد الأمة كلها ممسكة عن طعامها وشرابها في شهر واحد، من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، قد ملئت المساجد في الصلوات الخمس والتراويح، فلاشك أن هذا ينمي روح الوحدة في قلوب المسلمين وكأنهم روح واحدة وجسد واحد.إذن، استفادتنا من هذا الشهر في توحيد الأمة بتكثير دائرة الاجتماع، وذلك بالترغيب والحض على صيامه حتى لا يتخلف أحد عن الركب، فكلما زاد شخص، زاد الاجتماع والوحدة والقوة والشعور بالأخوة، وبالحض على عمل الخيرات فيه بالإطعام والتصدق على المحتاج والمسكين، لأن ذلك مما ينشر المودة بين أبناء الأمة ومما يساهم في لمّ شملهم. فإذا فعلنا هذا بأن رغبنا في الصيام وعمل الخير، يكون رمضان قد وحدنا تربية وصبرا ومحبة وأخوة، بل وحتى مأكلا ومشربا، وذلك حسب تقارب البلدان وفي ذلك تحقيق ما دعانا إليه من الاتحاد وترك الفرقة.تعرض القنوات الفضائية مواد وبرامج ترفيهية في رمسضان، تؤثر على صيام المسلم، كيف يتعامل المسلم مع المواد والبرامج المقدمة؟إن رمضان شهر الطاعة والعبادة، وهو فرصة عظيمة لمن أراد الأجر والثواب، ففيه تتضاعف الأعمال، فعلينا اغتنامه جميعه وأن لا نضيعه في لهو وترفيه لا صلة لها بالطاعات ولا العبادات، فهو أيام قلائل وسرعان ما تنقضي، ربح فيها من ربح وخسر فيها من خسر، فقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلم: “كل لهو يلهو المؤمن باطل إلا مداعبته زوجه وتدريب فرسه ورميه عن قوسه”. فعلى المسلم حقيقة أن يبتعد ما استطاع عمّا ليس فيه خير ولا انتفاع، بل المؤمن لا يرى إلا ساعيا في حسنة لمعاده أو درهم لمعاشه خصوصا في هذا الشهر الكريم، وقد قالوا:لا تجعلن رمضان شهر فكاهة تلهيك فيه من الحديث فنونهواعلم بأنك لن تنال قبوله حتى تكون تصومه وتصونهما نصيحتكم لهذه الفضائيات لأجل استغلال رمضان في عرض برامج محترمة؟ نصيحتنا أن نقول لهم اتقوا الله في هذا الشعب وهذه الأمة ولا تكونوا سببا في ضياعها وشتات أمرها، فكل ما يُعرض في هذه القنوات مما لا يوافق الشرع أو يكون علة في صد المسلم عن الطاعات وتكثير البضاعة يرجع عليهم بالإثم، لأن من دعا إلى خير كان له أجره وأجر من عمل به، ومن دعا إلى شر كان عليه وزره ووزر من عمل به، ومن هذا عليهم أن يغيّروا برامجهم لما فيه نفع الأمة ورضا الله سبحانه وتعالى، إما برامج دينية أو دنيوية نافعة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات