انفطرت قلوب المسلمين وشعوب العالم قاطبة بسبب المشاهد المروعة لآثار الزلزال العنيف الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا، مخلفًا وراءه عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين، والخراب بالممتلكات، فضلا عن تدمير البُنى التحتية والمرافق الضرورية. والعمل الإغاثي واجب إنساني وأخلاقي وديني، وتقديم العون لمن يحتاج إليه وإغاثة المنكوبين سلوك إسلامي أصيل، وخلق رفيع، تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق، وفطرة مغروسة في النفوس.لقد كانت حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثالا يحتذى به في إغاثة الملهوف، وتقديم العون لكل من يحتاج إليه، وقد عُرف بذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فعندما نزول عليه الوحي أول مرة، ورجع إلى خديجة فأخبرها الخبر: فقال «يا خديجة ما لي»، وأخبرها الخبر وقال «قد خشيت على نفسي»، فقالت له: ”والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق”.إن إغاثة الملهوفين والمنكوبين واجب على جميع من بيده أسباب تقديم المعونة والمساعدة، فإغاثة الملهوف، ونجدة المكروب، تعاون دعا إليه الإسلام في مواجهة الشدائد والأزمات، للتخفيف من آلام المكروبين، وهو خلق من أعظم أخلاقه ومبادئه العظيمة، التي حث عليها وأمر بها ودعا المؤمنين إلى سلوكها والتحلي بها، سواء أكان ذلك في المصائب والابتلاءات الفردية أو في النوازل العامة على مستوى الأمة، باعتبار إغاثة الملهوف والمنكوب إحياء للنفس. يقول صلى الله عليه وسلم: ”من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”.إن قيمة التكافل بين الناس، وخلق إغاثة المنكوبين من الأمور التي لا يقوم المجتمع المسلم إلا بها، إنها قيم إنسانية اجتماعية راقية، وقد سبق الإسلام في تطبيقها على أرض، فكانت النماذج الرائعة في الصدر الأول من الإسلام خير معبر عن هذا الخلق الكريم.فلقد كان صلى الله عليه وسلم يحث على التكافل، ويمدح من يقوم بذلك؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزوِ أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم”.وفي حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على قوة الترابط بين المؤمنين فيشبههم بالبناء المتماسك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ”المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ثم شبك بين أصابعه...”.يحرص ديننا الإسلامي على بناء مجتمعٍ قوي قادرٍ على مواجهة التحديات والأزمات المختلفة، مجتمع حضاري راق، يرحم القوي فيه الضعيف، ويعطف الغني على الفقير، ويعطي القادر ذا الحاجة، كما يحرص على بناء مجتمعٍ أخلاقي متقارب ومتحاب ومتعاون على الخير وفعل المعروف؛ ومن ثم جاء بمنهجٍ قويم في بناء المجتمع البشريِ كله، وجعل كل فرد فيه متعاونا مع غيره على الخير العام، مغيثا له حال الحاجة والاضطرار.وعون الملهوفين أمر قضى به رب العالمين وسيد المرسلين، ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”على كل مسلم صدقة”، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: ”يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق”، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: ”يعين ذا الحاجة الملهوف”.إن نبينا صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن أحب الناس إلى الله، وأحب الأعمال إلى إليه؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: ”أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا”. وإن إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج هي من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، وبالشكر تدون النعم، فمن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب الله عرضها للزوال، نعوذ بالله من زوال نعمه، وتحول عافيته، قال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}، ويقول جل وعلا: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.لذا؛ فإن المسلم دائما يمد يد العون بالمساعدة للآخرين، لاسيما في وقت الأزمات والطوارئ، خاصة الزلازل والكوارث الطبيعية التي تقضي على العمران، وتخلف وراءها المنكوبين والمتضررين، ممن مات بسببها أو فقد مسكنه أو أهله أو ماله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”الراحمون يرحمهم الرحمن”، وقال صلى الله عليه وسلم: ”من لا يرحم لا يرحم”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات