أسماء يوم القيامة كثيرة نص عليها الوحي في غير ما موضع، فهو يوم الدين، ويوم البعث، والحسرة، والفصل، والآزفة.. إلخ، ومنها يوم التلاق الذي يقول فيه الباري عز وجل: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق}، ففي هذا اليوم يلتقي فيه الخالق بالمخلوق، والأولون بالآخرين، وأهل السماء بأهل الأرض، ويلتقي فيه الظالم بالمظلوم، وأهل النار بعضهم بعضا، وأهل الجنة بعضهم بعضا، في مشهد عظيم يوقظ القلوب من غفلتها.وأهم هذه اللقاءات لقاء الخالق بالمخلوق: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}، هذا الموعد وهذا اللقاء أنكره وكذب به فئام من الناس، فكان مصيرهم الخذلان والخسران، يقول الحق سبحانه: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}، بل أكثر من ذلك فربنا عز وجل ذكر لقاءه بأدق التفاصيل: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا، فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون}، {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين}.أما من صدقوا وآمنوا بهذا اللقاء فقال عنهم الوحي: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون}، وقال أيضا: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، وفعل ظن إذا سُبق أو لحق بأن أو إن أفاد اليقين والاعتقاد الجازم، ففي يوم التلاق نُسأل عن كل صغيرة وكبيرة من أعمالنا: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}، وفي الصحيح: ”ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة”.ومن أهم اللقاءات لقاء الأنبياء والمرسلين، والأصفياء والصالحين، سنلتقي بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ففي السنن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: ”السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا”، قالوا: يا رسول الله: ألسنا إخوانك؟ قال: ”بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض”، قالوا: يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: ”أرأيت لو كان لرجل خيل غُر محجلة في خيل بهم (أسود اللون)، دهم (أسود به بياض)، ألا يعرف خيله”؟ قالوا: بلى، قال: ”فإنهم يأتون يوم القيامة غُرا محجلين من الوضوء”.وليوم التلاق ثمار يانعة، ومن ذلك تحقيق الخشية منه سبحانه: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا}، والانتفاع بالتذكير والموعظة: {إنما أنت منذر من يخشاها}، {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود}، أما من ضعف فيه وازع الخوف من يوم التلاق فلا تنفع فيه موعظة ولا تذكرة: {فما لهم عن التذكرة معرضين}.فإذا تحقق الإيمان بيوم التلاق، فإن ذلك سيكون وازعا ودافعا إلى الطاعات والقربات، وعمارة المساجد بالذكر والصلوات، ومن هنا كان الحبيب عليه الصلاة والسلام يبين هوان الدنيا عند أهل الإيمان: ”لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء”. والله ولي التوفيق.*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات