في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة”. المفهوم المخالف أو دليل الخطاب، كما يقول علماء الأصول هنا، غير وارد؛ لأن العدد كنوع من أنواع المفهوم متنازع فيه، والأرجح أنه لا يعد نوعا من أنواع المفهوم؛ لذلك يقول الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي: إن لله تعالى ألف اسم.ومن بين تلكم الأسماء الحفيظ، وقد سمى ربنا نفسه بهذا الاسم في كتابه الكريم: {والذين اتخذوا من دونه أولياء، الله حفيظ عليهم}، فهو سبحانه الحفيظ الذي يحفظ عباده المؤمنين، يحفظ أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم وأموالهم وأهليهم، وما من شيء في هذا الكون إلا وفيه أثر من آثار اسم الله تعالى الحفيظ.وتتجلى مظاهر اسم الله الحفيظ في أنه حفظ عباده المؤمنين ومن اصطفاهم من الأنبياء والمرسلين، فقد حفظ إبراهيم عليه السلام من النار: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين}، وحفظ يونس: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}، وحفظ موسى وقومه من بطش فرعون وزبانيته: {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معي ربي سيهدين}، وحفظ يوسف بعد أن كادت له امرأة العزيز وإخوته: {فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين}، وحفظ سيد الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم من كيد مشركي قريش: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.ومن مظاهر حفظه سبحانه لعباده أن سخر لهم ملائكة أطهارا يحفظونهم من المهالك ومن مصارع السوء: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}، فالعبد منذ ولادته وحتى وهو نطفة في صلب أبيه يحفظه ربه، يقول المعصوم: “من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي”.ومن مظاهر حفظه سبحانه وتعالى أنه حفظ لأهل الإيمان القرآن الكريم؛ الكتاب الذي من تمسك به نجا، يحفظ من الانحراف ومن الشبهات والشهوات، ويحفظ من الأمراض والأسقام: {وعندنا كتاب حفيظ}، ومن مظاهر حفظه سبحانه أنه حفظ أعمال العباد فلا يضيع منها شيء: {فلا تظلم نفس شيئا}، {إن كل نفس لما عليها حافظ}، ومن مظاهر حفظه سبحانه أنه حفظ لنا هذا الكون من حولنا، فتأمل -رعاك الله- السموات والأرضين، وتأمل الكواكب والأجرام، فمن يحفظها ويدبر أمورها: {إن الله يمسك السماوات والأَرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}، {وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا}. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: “يا غلام، إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك”، فمن حفظ ربه في حال القوة والشباب حفظه إذا كبر وشاب، فهذا أبو الطيب الطبري العالم العابد الزاهد وقد جاوز المائة، ولا يزال يتمتع بالعقل والقوة، فسئل عن ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها في الصغر فحفظها الله تعالى علينا في الكبر، وهذا ابن المنكدر يقول: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده، فما يزالون في حفظ الله وستره، وهذا سعيد بن المسيب يقول لابنه ناصحا ومذكرا: إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك، وأُثر من دعاء المعصوم: “اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، ولا تشمت بي عدوا حاسدا”.*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر 1
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات