أثارت واقعة إقدام تلميذ قاصر يدرس في المرحلة المتوسطة في ولاية باتنة، على طعن معلمته ريحانة بن شية طعنة نافذة في ظهرها، جدلًا واسعًا في البلاد، وإن تلك الطعنة التي كانت في ظهر الأستاذة هي طعنة في قيَمنا ومنظومتنا الأخلاقية والتربوية والاجتماعية، ما يتطلب منا الوقوف مليا عند هذه الفعلة الخطيرة، أسبابها وآثارها وكيفية تجنب مثل هذه التصرفات المشينة والغريبة على قيمنا وعاداتنا.لقد أعلى الإسلام من مكانة المعلم ورفع من شأنه، ووردت الكثير من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة في فضل المعلم ومكانته، وأول معلم للبشرية كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، معلم الناس طريق الخير والصلاح والهداية.عندما نتأمل في ثنايا آيات الله سبحانه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفة قيمة المعلم وعلو منزلته، يمكننا القول إن صفة العلم لعلها من أهم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان، وعندما يكون العلم صفة قيمة، يكون حامل العلم ذا قيمة عالية؛ بالنظر إلى ما يحمل من أمر قيم. يقول تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}، ويقول تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير}.وفي القرآن الكريم آيات عدة تنسب التعليم إلى الله سبحانه، ومنها: {.. واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيٍء عليم}. فكما ينسب الله مهمة التعليم إلى نفسه، ينسبها كذلك إلى رسله الذين بعثهم إلى العباد. وقد ذكر الله تعالى التعليم واحدا من الأدوار التي يقوم بها الأنبياء عليهم السلام، وقرنه بالتزكية، ما يكشف عن الربط بين الأمرين بشكل وثيق. ومن الآيات التي تشير إلى هذا الدور للأنبياء: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}.وفي السنة الشريفة الكثير من الأحاديث التي تهتف بصوت عال بالإخبار عن مقام هذا الإنسان وعلو منزلته بين سائر بني البشر، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فضل العالم على العابِد، كفضلي على أدناكم، إن الله عز وجل وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناسِ الخير”.وفي عصور نهضة الأمة ورفعتها، كان للمعلم وللعلماء الحظ الأوفر من الرعاية والتكريم. كان الإمام الشافعي رحمه الله إذا جلس في مجلس الإمام مالك رحمه الله، يقلب الأوراق برفق شديد حتى لا ينزعج معلمه الإمام مالك. أما الربيع بن سليمان، فيقول عن نفسه: “والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له”.إن العلم هو الحجر الأساس الذي تنهض عليه الأمم وتسير في ركب الحضارة، ولا يستطيع الإنسان أن يصل إلى أعلى وأرقى درجات الحضارة إلا من خلال العلم، ولا يمكن أن ينال العلم ويصل إلى غايته إلا عن طريق المعلم، فدور المعلم كبير في حياة الإنسان وهو المنارة التي تنير له الطريق إلى بر الأمان وغاية الإنسان، وقد قال الشاعر المصري أحمد شوقي: “قم للمعلم وفه التبجيلا —- كاد المعلم أن يكون رسولا”، وكما قيل “إن العلماء ورثة الأنبياء” وهم الذين يخرجون الناس من الظلمات إلى النور بفضل الله تعالى، وهو الذي يربي الأجيال على العلوم والأخلاق الحميدة وحب الله والدين والوطن وعلى الأمانة والإخلاص، وإن كافة الصفات الطيّبة التي يجب على الإنسان أن يتمتع بها يقوم المعلم بغرسها في نفوس طلابه ليكونوا هم أساس المجتمع الذي ينهض بسواعدهم.إن احترام المعلم في الإسلام من أهم حقوق المعلم على تلاميذه، إذ يجب عليهم أن يتأدبوا أمامه ويحترموه ويجلوه ويظهروا له بالغ التقدير، فالعلماء في الشرع هم ورثة الأنبياء الذين يكملون دورهم في تبليغ العلم، وهم دعاة إلى الحق، وهم الذين يهدون الناس إلى طريق الله تعالى وطاعته، ويقومون بتوجيههم إلى الإحسان والخير والصلاح.وإن من أهم واجبات المتعلم تجاه المعلم: توقيره وتقديره والتعامل معه بأدب واحترام لأنه في مقام الوالد. والحرص على أخذ الفائدة منه، لأن المعلم يملك الكثير من الخبرات والمعلومات التي لا يمتلكها الطالب. والحرص على اتباع المعلم والاقتداء به في جميع الأعمال، الصالحة منها والحسنة. وأن يدافع عنه وعن شخصيته وعرضه، وأن يحرص على الابتعاد عن اغتيابه أو الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال. وأن يجعل له من الدعاء نصيبا بشكل دائم، وأن يعلم الطالب أن معلمه بشر مثل بقية البشر قد يصيب وقد يخطئ، وأن يلتمس له الأعذار في أخطائه، بالإضافة إلى نصحه في السر وتنبيهه بأسلوب الطالب المهذب والمؤدب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات